الإحسان بقوله فيه ودان، وجدوله وهذبه، وجد له فأتقنه لما وضعه ورتبه، وقد أجاد فيه ما شاء، ونزل تجويده في الأفاضل في صميم الأحشاء. وله كتاب الموازين وهو صغير، وصوب إفادته غزير، وله غير ذلك.
ونظم القريض والموشح، واستخدم المعاني وأهلها ورشح. وكان يعرف علوماً جمة، وفضائل يستعير البدر منها كماله وتمه، وأجود ما يعرفه الهيئة، فإذا اشتبك الجدال عليه فره إليها وفيئه.
وكانت عنده كتب نفيسة ملوكية قد حوتها خزانته، وأمده على اقتنائها انتقاؤه وفطانته، فملك منها الجواهر اليتيمة، والزواهر التي هي في أفقه مقيمة، وعلى كل حال فكان لسوق الفضل عنده نفاق، وللعلم عنده تحقيق وصدق دون نفاق، وللزمان به جملة جمال انساقت باقيا، وبدُرٍ لا يزال في مطالع السعود راقياً، وسلف سُلافه من الجود يطوب بها إحسانه على العفاة ساقياً، وفضلات فضل طالما أنشدها مؤملوه:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنانّ كل الظن أن لا تلاقيا
ولم يزل في ملكه ومسير فلكه إلى أن أصبح المؤيد وقد تخذل، ورئي في معرك المنايا، وقد تجدل.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وسبع مئة، سحر يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم، ودفن ضحوة النهار عند تربة والده ظاهر البلد، في الكهولة، ولم يكمل الستين.
ولما مات رحمه الله تعالى فرق كتبه على أصحابه، ووقف منها، ورثاه الشعراء.