شوال سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة، وكان ذلك في يوم الاثنين، فسبحان الدائم الباقي بلا زوال، مقدّر الآجال.
وكان الأمير علاء الدين برناق رجلاً عاقلاً، ساكناً لا يرى قدمه إلى الشرّ ناقلاً، بعيداً من الظلم، مفيداً للأناة والحلم، لم يشكُ منه أحد من رعايا صفد.
وكان يتخوَّل بعضهم بالعطاء والصفد، وعمّر بصفد عمارة، تطل على بحر طبرية كان يستروح فيها ويصعد بمن يؤثره، ويحبُّ قُرْبَه إلى أعاليها.
وكانت له ابنة يحبها حباً زاد حَدّه، ويودّ أن يفرش لها إذا خطت دون الأرض خدّه، لا يزال قلبه بها معلَّقاً، وخدّه إذا غاب عنها بالدموع مخلّقاً، يجلس وهي في صدره، ويُعيذها من الزمان وغدره، ويجمع لها الذين يعملون الحلق تحت القلعة، ويصرف لهم لأجلها الخلعة بعد الخلعة.
ولما خرج من صفد ضمّها إلى صدره وودّعها، وكاد من الرِّقة عليها أن يخرج كبده ويقطّعها، وأذرى الدموع دماء وأجراها من الحرقة عندما فارقها عَنْدَما، وكان ذلك أخر عهدها به، ولم تشاهده والسيف قد جدَّ في تمزيق إهابه.
وقلت أنا فيه:
لا تقرَبِ الشَّرَّ إذا ما بَدا ... فهُوَ لنارِ الموتِ حَرّاقُ
فالسيف قد فرَّق ألطنبغا ... ولد يفِدْ بُرناق تِرياقُ