فإن ممالكنا الشريفة منها ما هو عالي المكانة، داني المكان مُوَفّر الاستكانة، موفَّى النعمة بالسكان، مُوَطَّأ الأكناف، مُوَطَّد الأركان، موسَّع الأفنية، موشَّع الأفنان، وقد جاوز الأرض المقدّسة، وبَرَزَ رافلاً من خمائله في حلله المقدسة، ونوّه الذكر مَحاسنه لما نوّع الاعتدال خيره وجنّسه. كم فيه من كثيب رمل أوعَسْ، وحديقة إذا بكى الغمام عليها تبسم ثغر زهرها الألعس، وروضٍ حكى القدّ الأملدَ قضيبه الأملس، قد اكْتنفه البَرّ والبحر، وأحاطت به المحاسن إحاطة القلائد بالنحر، وبرز بين مصر والشام برزخاً، وكثرت خيراته فهو لا يزال مَهَبّ رُخاء الرَّخا، وإلى غزة ترجع هذه الضمائر، وعلى سرها تدل هذه الأمائر، كاد النجم ينزل إلى أرضها ليتنزه، وقصّر وصف الواصف عنها ولو أنه كُثَيّر وهي عَزّه، وكانت غُرّة في وجه الشام فنقّطها سواد العين بإنسانه فصارت غَزّه، وكفاها فخراً بما يُروى عنها أن الإمام الشافعي رضي الله عنه منها.
ولما كان المجلس العالي الأميري وألقابه ونُعوته من أعيان هذه الدولة، وأعوان هذه الأيام التي زانها الصَّون والصّولة، قد اتصف بالحلم والباس، والأناة والإيناس، والمهابة التي طَوْدُها راسخ راس، والشجاعة التي مرامها صَعْبُ المِراس، طالما جُرّد منه حسام حُمِدت مضاربه، وجُهّز في جيشٍ نَصَره الله على مَنْ يحاربه، وأطلع في أفق مهمٍّ شريف أحدقت به كواكبه اقتضت آراؤنا الشريفة إعلاء رتبته وإدامة بهجته وسرور مهجته وتوفير حركته، وأنْ نُفَوّض إليه تقدمة العسكر المنصور بغزّة المحروسة،