ثم إن السلطان الملك الصالح توجه بالعساكر المصرية بعد ما صلى الجمعة في الجامع الأموي، وخرج منها سائراً إلى مصر في سابع شوال سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة، ولما طال الأمر على ابن دلغادر أمسك أحمد وبكلمش وقيدهما وجهزهما إلى حلب فاعتقلا بالقلعة، وكان من أمرهما ما ذكرته في ترجمة أحمد الساقي، ثم إن الأمير عز الدين طقطاي قعد في حلب ينتظر رسل بيبغاروس، وكان ابن دلغادر قد جهز إمساكه في الأبلستين، فوصل بيبغا مقيداً إلى حلب ثالث عشر شهر الله المحرم سنة أربع وخمسين وسبع مئة، وخرج طقطاي الدوادار وجماعة من العسكر وتلقوه، فلما رأى الأمير عز الدين طقطاي بكى وقال: والله أنا أعرف ذنبي، والذي أشار علي بذلك فقد لقاه الله فعله، والله ما كان ذلك برضاي، وأنا فقد وقعت في فعلي. وسير إلى الأمير سيف الدين أرغون الكاملي يطلب منه لحم ثم مشوياً ومأمونية، فجهز ذلك إليه وأطلعوه بالقلعة، ثم إنهم حزو راسه، بعدما قطع الوتر أمراسه، وتوجه الأمير عز الدين طقطاي الدوادار برأسه إلى الديار المصرية. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن الشيطان الرجيم.
وقلت أنا في ذلك:
لا تعجبوا من حلب إن غدا ... أرغون فيها جبلاً راسي
من أجل هذا لم تطر فرحةً ... وبيبغاروس بلا راس
وكتب إلي المولى القاضي شرف الدين حسين بن ريان كتاباً نظماً ونثراً، فأما نظمه فأذكره، وهو:
بنيل الأماني هلّ شهر المحرم ... وحلت به البلوى على كل مجرم
أتوا فيه بالأعداء أسرى أذلّةً ... إلى حلب الشهباء يا خير مقدم
فبكلمشٍ وافوابه وبأحمد ... ومن بيبغا قد أدركوا كل مغنم