الملك الناصر بحجر خدش منه غرضاً، وجعل سماءه أرضاً، فأخرجه إلى القدس خروجاً جميلاً، ووجد لفراق ما ألفه في مصر عذاباً وبيلاً، ولم يتغير لمماليك السلطان فيه عقيدة، وجزموا بأن ذلك من أعاديه مكيدة، وكانوا يمدونه بالذهب، ويلزمونه أخذ ذلك وقبوله بالرغب والرهب، وكانت نفسه كريمة، وهمته عند الثريا مقيمة، ولم يزل على تلك الحال إلى أن خلا في القبر بعمله، وانقطعت من الحياة مواد أمله.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة.
وكان قد قدم إلى دمشق في شهر رجب سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة من القدس، ونزل بمغارة العزيز بالجبل، وقصده الناس بالزيارة من الأمراء والقضاة والعلماء والصدور، وحدث بجزء ابن عرفة، ثم عاد إلى القدس، وتوفي ثالث القعدة من السنة المذكورة.
ومن شعره، من قصيدة:
قد كنتُ تبتُ عن الهوى ... لكن حُبك لم يدعني
ولما مات الشيخ جلال الدين رحمه الله تعالى، رثاه شيخنا العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود رحمه الله تعالى بقصيدة أولها:
أيا مقلتي جُودي بدمعك لي جودي ... فما مثلُ من قدر بان عنك بموجودِ
وإن غاض ماء الدمع فابكِ دماً فما ... يعد البكا إلا لأكرمِ مفقودِ