للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخادعاً، لا جرم أن أمست أيامه ذاهبه، ويشتغل بحيل ما تحكى عن البطال، ويفكر ذب خدع سحابه منه هطال، وكان يدخل إلى الحمام ويخلو بنفسه فيها اليوم واليومين والثلاث، وهو يفكر فيما يرتبه من المكر والاجتهاد والاكتراث، وقيل إنه مرة شرب دماً وقاءه، ليرتب على ذلك حيلا، وينال بها ممن يريد مقصوداً وأملا، وزاد بطشه، وصح في الحيل نقشه، وأفنى جماعة من كبار المغول، واغتالهم من فتكه غول، وشوش على المسلمين، قتل أهل تلك البلاد، وأضجر قومه من الإغارات والجلاد.

ولم يزل على حاله إلى أن قيل: إنه تهدد زوجته مرة فخبأت عندها خمسة من المغل فأصبح مخنوقا، وأظهر أنه وجد مشنوقا، فوضع في تابوت ودفن بتربته التي أنشأها بتوريز، وراح كما راح أمس الدابر، ودخل في زمرة من دخل في الزمن الغابر، ولم ينتطح في أمره عنزان ولا اختلفت فيها مقادير ولا أوزان، وكفى الله المسلمين منه شراً كبيراً، " وكان الله على كلِّ شيء قديراً ".

وجاء الخبر بوفاته في شهر رجب سنة أربع وأربعين وسبع مئة.

وكان يقول أولاً: ما يمنعني من دخول الشام ودوسه إلا هذا تنكز، وقد حصلت له إحدى عشرة حيلة إن لم يرح بهذه وإلا راح بهذه! فما كان إلا أن جاء رسوله القاضي تاج الدين قاضي شيراز، وتوجه إلى السلطان الملك الناصر محمد، وكان مما قاله: إن تنكز طلب الحضور إلى عندي، فاستوحش السلطان من تنكز رحمه الله تعالى وتغير عليه، وكان السبب في ذلك هذا الكلام، والله أعلم، ولما أمسك تنكز، قال: والله أنا كنت أعتقد أن قلع هذا تنكز صعب، وقد راح الآن بأهون حيلة، وعند الله تجتمع الخصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>