خضت الدّجنّة حتى لاح لي قبسٌ ... وبان بان الحمى من ذلك القبس
فقلت للقوم: هذا الربع ربعهم ... وقلت للسمع: لا تخلو من الحرس
وقلت للعين: غضيّ عن محاسنهم ... وقلت للنطق: هذا موضع الخرس
وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: هو الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريقة الوحدة، وكان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليفة الملقب بالمتوكل؛ حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا، وسكرة عن ذاته وغفلة عن نفسه، فسافر وترك الحشمة، وصحب ابن سبعين، واشتغل بالطب والحكمة، وزهديات الصوفة، وخلط هذا بهذا وحج ودخل اليمن، وقدم الشام.
وكان غارقاً في الفكر عديم اللذة، مواصل الأحزان، فيه انقباض عن الناس، حمل مرة إلى والي البلد وهو سكران، أخذوه من حارة اليهود فأحسن الوالي به الظن وسرحه، سقاه اليهود خبثاً منهم ليغضوا منه.
قلت: لأن اليهود نالهم منه أذى، وأسلم على يده منهم جماعة، منهم سعيد وبركات. وكان الشيخ يحب الكوارع المغمومة فدعوه إلى بيت واحد منهم وقدموا له ذلك فأكل منه، ثم غاب ذهولاً، على عادته، فأحضروا الخمر فلم ينكر حضورها وأداروها، ثم ناولوه منها قدحاً فاستعمله تشبهاً بهم، فلما سكر أخرجوه على تلك الحالة، وبلغ الخبر إلى الوالي، فركب وحضر إليه وأردفه خلفه، وبقي الناس خلفه يتعجبون من أمره، وهو يقول لهم بعد كر فترة: أي وأيش قد جرى، ابن هود