للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَبِّ؟ فَقَالَ: (ابْنُكَ دَاوُد). قَالَ: فَكَمْ عُمُرُهُ؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً). قَالَ: وَكَمْ عُمْرِي؟ قَالَ: (أَلْفُ سَنَةٍ). قَالَ: فَقَدْ وَهَبْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً. فَكَتَبَ عَلَيهِ كِتَابًا وَشَهِدَتْ عَلَيهِ المَلَائِكَةُ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ: قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي سِتُّونَ سَنَةً! قَالُوا: وَهَبْتَهَا لِابْنِك دَاوُد. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَأَخْرَجُوا الكِتَابَ. قَالَ النَّبِيُّ : ((فَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ)). وَرُوِيَ أَنَّهُ كَمَّلَ لِآدَمَ عُمُرَهُ وَلِدَاوُدَ عُمُرَهُ. فَهَذَا دَاوُدُ كَانَ عُمُرُهُ المَكْتُوبُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ جَعَلَهُ سِتِّينَ. وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: (اللَّهُمَّ إنْ كُنْت كَتَبَتْنِي شَقِيًّا فَامْحُنِي وَاكْتُبْنِي سَعِيدًا؛ فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ). وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَو كَانَ كَيفَ كَانَ يَكُونُ، فَهُوَ يَعْلَمُ مَا كَتَبَهُ لَهُ وَمَا يَزِيدُهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالمَلَائِكَةُ لَا عِلْمَ لَهُمْ إِلَّا مَا عَلَّمَهُمُ اللهُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ قَبْلَ كَونِهَا وَبَعْدَ كَونِهَا؛ فَلِهَذَا قَالَ العُلَمَاءُ: إنَّ المَحْوَ وَالإِثْبَاتَ فِي صُحُفِ المَلَائِكَةِ، وَأَمَّا عِلْمُ اللهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَبْدُو لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إثْبَاتَ، وَأَمَّا اللَّوحُ المَحْفُوظُ فَهَلْ فِيهِ مَحْوٌ وَإِثْبَاتٌ عَلَى قَولَينِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ" (١).

وَقَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ : " ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ مِنَ الأَقْدَارِ ﴿وَيُثْبِتُ﴾ مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَهَذَا المَحْو وَالتَّغْيِيرُ فِي غَيرِ مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَكَتَبَهُ قَلَمُهُ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقَعُ فِيهِ تَبْدِيلٌ وَلَا تَغْيِيرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللهِ أَنْ يَقَعَ فِي عِلْمِهِ نَقْصٌ أَو خَلَلٌ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ أَي اللَّوحُ المَحْفُوظُ الَّذِي تَرْجِعُ إِلَيهِ سَائِرُ الأَشْيَاءِ؛ فَهُوَ


(١) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (١٤/ ٤٩١).
قُلْتُ: وَحَدِيثُ آدَمَ وَدَاوُدَ صَحِيحٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (٣٣٦٨) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٥٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>