للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْلُهَا وَهِيَ فُرُوعٌ لَهُ وَشُعَبٌ.

فَالتَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ يَقَعُ فِي الفُرُوعِ وَالشُّعَبِ كَأَعْمَالِ اليَومِ وَاللَّيلَةِ الَّتِي تَكتُبُهَا المَلَائِكَةُ (١)، وَيَجْعَلُ اللهُ لِثُبُوتِهَا أَسْبَابًا وَلِمَحْوِهَا أَسْبَابًا، لَا تَتَعَدَّى تِلْكَ الأَسْبَابُ مَا رُسِمَ فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ، كَمَا جَعَلَ اللهُ البِرَّ وَالصِّلَةَ وَالإِحْسَانَ مِنْ أَسْبَابِ طُولِ العُمُرِ وَسِعَةِ الرِّزْقِ، وَكَمَا جَعَلَ المَعَاصِي سَبَبًا لِمَحقِ بَرَكَةِ الرِّزْقِ وَالعُمُرِ، وَكَمَا جَعَلَ أَسْبَابَ النَّجَاةِ مِنَ المَهَالِكِ وَالمَعَاطِبِ سَبَبًا لِلسَّلَامَةِ، وَجَعَلَ التَّعَرُّضَ لِذَلِكَ سَبَبًا لِلعَطَبِ، فَهُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأُمُورَ بِحَسْبِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَمَا يُدَبِّرُهُ مِنْهَا لَا يُخَالِفُ مَا قَدْ عَلِمَهُ وَكَتَبَهُ فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ" (٢) (٣).


(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (١١/ ٤٨٨): "وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا فِي عِلْمِ الحَفَظَةِ وَالمُوَكَّلِينَ بِالآدَمِيِّ؛ فَيَقَعُ فِيهِ المَحْو وَالإِثْبَاتُ كَالزِّيَادَةِ فِي العُمُرِ وَالنَّقْصِ، وَأَمَّا مَا فِي عِلْمِ اللهِ فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إِثْبَاتَ. وَالعِلْمُ عِنْدَ اللهِ".
(٢) تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ (ص ٤١٩).
(٣) وَهُنَاكَ وَجْهٌ خَامِسٌ أَورَدَهُ بَعْضُهُم، وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي العُمُرِ هِيَ بِمَعْنَى البَرَكَةِ، وَهَذَا الوَجْهُ بَعِيدٌ عَنِ الصِّحَّةِ، وَالرَّاجِحُ مَا أَثْبَتْنَاهُ.
قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ فِي مَجْمُوعِ الفَتَاوَى (١٤/ ٤٩٠): "وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ المُرَادَ بِهِ البَرَكَةُ فِي العُمْرِ؛ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي الزَّمَنِ القَصِيرِ مَا لَا يَعْمَلُهُ غَيرُهُ إِلَّا فِي الكَثِيرِ، قَالُوا: لِأَنَّ الرِّزْقَ وَالأَجَلَ مُقَدَّرَانِ مَكْتُوبَانِ. فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ: تِلْكَ البَرَكَةُ -وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي العَمَلِ وَالنَّفْعِ- هِيَ أَيضًا مُقَدَّرَةٌ مَكْتُوبَةٌ وَتَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ".
وَفَرَّقَ بَعْضُهُم بَينَ العُمْرِ وَالأَجَلِ؛ فَجَعَلَ العُمْرَ قَابِلًا لِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ بِدِلَالَةِ النُّصُوصِ، وَجَعَلَ الأَجَلَ غَيرَ قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ أَيضًا بِدِلَالَةِ النُّصُوصِ!
قُلْتُ: وَلَكِنَّ التَّفْرِيقَ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ أَصْرَحَ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>