للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ) (١)، فَلُعَبُ البَنَاتِ مَثَلًا تُسَاعِدُ عَلَى تَعْلِيمِهِم مَا يُسَمَّى اليَومَ بِالتَّدْبِيرِ المَنْزِلِيِّ (٢).


(١) وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القَاعِدَةَ ابْنُ القيَّمِ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِينَ) (٢/ ١٠٨).
(٢) وَالتَّخْصِيصُ مِنَ العُمُومِ هُوَ مَذْهَبُ الجُمْهُورِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ النَّهْي، وَلَكِنَّ هَذَا مَرْجُوحٌ لِإِمْكَانِيَّةِ الجَمْعِ بَينَهُمَا بِالتَّخْصِيصِ المَذْكُورِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (١٠/ ٥٢٧): "وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ صُوَرِ البَنَاتِ وَاللُّعَبِ مِنْ أَجْلِ لَعِبِ البَنَاتِ بِهِنَّ، وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ، وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ عَنِ الجُمْهُورِ؛ وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيعَ اللُّعَبِ لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرِهِنَّ عَلَى أَمْرِ بُيُوتِهِنَّ وَأَولَادِهِنَّ. قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَإِلَيهِ مَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَحَكَى عَن ابْنِ أَبِي زَيدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ لِابْنَتِهِ الصُّوَرَ، وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ الدَّاودِيُّ أَنه مَنْسُوخٌ.
وَقَدْ ترْجَمَ ابْنُ حِبَّانَ الإِبَاحَةَ لِصِغَارِ النِّسَاءِ اللَّعِبَ بِاللُّعَبِ، وَتَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ: إِبَاحَةُ الرَّجُلِ لِزَوجَتِهِ اللَّعِبَ بِالبَنَاتِ؛ فَلَمْ يُقَيَّدْ بِالصِّغَرِ! وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ البَيهَقِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ كَانَتْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ. وَبِه جَزَمَ ابْنُ الجَوزِيِّ، وَقَالَ المُنْذِرِيُّ: إِنْ كَانَتِ اللُّعَبُ كَالصُورَةِ؛ فَهُوَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُسَمَّى مَا لَيسَ بِصُورَةٍ لُعْبَةً، وَبِهَذَا جَزَمَ الحَلِيمِيُّ، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ صُورَةً كَالوَثَنِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ. وَقِيلَ مَعْنَى الحَدِيثِ: اللَّعِبُ مَعَ البَنَاتِ أَيِ الجَوَارِي، وَالبَاءُ هُنَا بِمَعْنَى مَعَ. حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ وَرَدَّهُ.
قُلْتُ: وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عُيَينَةَ فِي الجَامِعِ مِنْ رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيِّ عَنْهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الحَدِيثِ: (وَكُنَّ جِوَارِي يَأْتِينَ فَيَلْعَبْنَ بِهَا مَعِيَ) وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامٍ: (كُنْتُ العَبُ بِالبَنَاتِ -وَهُنَّ اللُّعَبُ-). أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيرُهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (قَدِمَ رَسُولُ اللهِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَو خَيبَرَ) فَذَكَرَ الحَدِيثَ فِي هَتْكِهِ السِّتْرَ الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابِهَا، قَالَتْ: (فَكَشَفَ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَلَى بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: ((مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟)) قَالَتْ: بَنَاتِي، قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)) قُلْتُ: فَرَسٌ، قَالَ: ((فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ!)) قُلْتُ: أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيمَانَ خَيلٌ لَهَا أَجْنِحَةٌ؟! فَضَحِكَ). فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ المُرَادَ بِاللُّعَبِ غَيرُ الآدَمِيَّاتِ.
=

<<  <  ج: ص:  >  >>