للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - عَدَمُ الانْتِقَالِ إِلَى مُنْكَرٍ آخَرَ -مِثْلِهِ أَو أَشَدَّ-: وَلَكِنْ إِلَى مَعْرُوفٍ، أَو تَرْكٍ لِلمُنْكَرِ، أَو أَدْنَى مِنْهُ.

٤ - الرِّفقُ: كَمَا فِي الحَدِيثِ: ((إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ)) (١).


=
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (١٣/ ٥٣): "قَالَ الطَّبَرِيُّ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجِبُ مُطْلَقًا، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَفَعَهُ: ((أَفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ))، وَبِعُمُومِ قَولِهِ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا؛ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ)) الحَدِيثَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ إِنْكَارُ المُنْكَرِ؛ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَلْحَقَ المُنْكِرَ بَلَاءٌ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: ((يُسْتَعْمَلُ عَلَيكُمْ أُمَرَاءُ بَعْدِي؛ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ … )) الحَدِيث.
قَالَ: وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ المَذْكُورِ، وَيَدُلُّ عَلَيهِ حَدِيثُ: ((لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ)) ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنْ ((يَتَعَرَّضَ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ)). انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَقَالَ غَيرُهُ: يَجِبُ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ ضَرَرًا".
قُلْتُ: وَأَمَّا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ؛ فَهُوَ صَحِيحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (٤٣٤٤). صَحِيحُ أَبِي دَاوُدَ (٤٣٤٤).
وَأَمَّا حَدِيثُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا؛ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ)) فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٤٩) عَنْ أَبي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا.
وَأمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ؛ فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٨٥٤) أَيضًا.
وَأمَّا حَدِيثُ: ((لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ)) فَهُوَ صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٢٥٤) عَنْ حُذَيفَةَ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٦١٣).
(١) مُسْلِمٌ (٢٥٩٤) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا.
قُلْتُ: وَالأَصْلُ فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ هُوَ الرِّفْقُ، لَكِنْ قَدْ تَكُونُ الشِّدَّةُ هِيَ الأَفْضَلُ فِي بَعْضِ الَحالاتِ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَابِ "مَنْ هَزَلَ بِشَيءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ أَوِ القُرْآنِ أَوِ الرَّسُولِ".
قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ". شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (٢/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>