للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أَنَّ الإِشْكَالَ بَينَ كَونِهَا يَمِينًا أَو شِمَالًا هُوَ بِاعِتَبارِ المَخْلُوقِ، أَمَّا اللهُ تَعَالَى فَلَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، فَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فِي حَقِّ المَخْلُوقِ؛ لَا يَلْزَمُ عَلَيهِ أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فِي حَقِّ الخَالِقِ تَعَالَى (١).


=
رَحِمَكَ اللهُ يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ المَلَائِكَةِ -إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ- فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيكُمْ. قَالُوا: وَعَلَيكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَينَهُمْ. فَقَالَ اللهُ لَهُ -وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ-: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وَكِلْتَا يَدَي رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَي رَبِّ؛ مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ. فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَينَ عَينَيهِ-، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ -أَو مِنْ أَضْوَئِهِمْ- قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ؛ قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمْرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ، قَالَ: أَي: رَبِّ؛ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ أُسْكِنَ الجَنَّةَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، قَالَ: فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ! قَدْ كُتِبَ لِي ألْفُ سَنَةٍ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لابْنِكِ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ؛ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ؛ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ. قَالَ: فَمِنْ يَومِئِذٍ أُمِرَ بِالكِتَابِ وَالشُّهُودِ)).
(١) وَسُئِلَ الشَّيخُّ الأَلْبَانِيُّ : "كَيفَ نُوَفِّقُ بَينَ رِوَايَةِ (بِشِمَالِهِ) الوَارِدَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ؛ وَقَولِهِ : ((وَكِلْتَا يَدِيهِ يَمِينٌ))؟
الجَوَابُ: لَا تَعَارُضَ بَينَ الحَدِيثَينِ بَادِئ بِدْءٍ؛ فَقَولُهُ : ((وَكِلْتَا يَدِيهِ يَمِينٌ)) تَأْكَيدٌ لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، فَهَذَا الوَصْفُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ تَأْكِيدٌ لِلتَّنْزِيهِ، فَيَدُ اللهِ لَيسَتْ كَيَدِ البَشَرِ (شِمَالٌ وَيَمِينٌ) وَلَكِنْ كِلْتَا يَدِيهِ سُبْحَانَهُ يَمِينٌ.
وَأَمْرٌ آخَرٌ؛ أَنَّ رِوَايَةَ: (بِشِمَالِهِ) شَاذَّةٌ؛ كَمَا بيَّنْتُهَا فِي (تَخْرِيجِ المُصْطَلَحَاتِ الأَرْبَعَةِ الوَارِدَةِ فِي القُرْآنِ) (رَقَم ١) لِلمَودُودِيِّ.
وَيُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ وَقَالَ: ((بِيَدِهِ الأُخْرَى)) - بَدَلَ: (بِشِمَالِهِ) - وَهُوَ المُوَافِقُ لِقَولِهِ : ((وَكِلْتَا يَدِيهِ يَمِينٌ))، وَاللهُ أَعْلَمُ". مَجَلَّةِ الأَصَالَةِ (ع ٤، ص ٦٨).
قُلْتُ: وَاُنْظُرْ كِتَابَ (صِفَاتُ اللهِ ﷿ الوَارِدَةُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) (ص ٣٨٥) لِلشَّيخِ عَلَوِيِّ السَّقَّافِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>