للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوجُهٍ:

١ - أَنَّ الكَافَ هُنَا فِي قَولِهِ: ((كَمَا)) هِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ (القِيَاسِ)، وَالفَرْقُ بَينَ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبيهِ: أنَّ التَّمْثِيلَ يَعْنِي المُطَابَقَةَ، بَينَمَا التَّشْبِيهُ يَعْنِي الاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الشَّيءِ -كَالعِلَّةِ فِي الحُكْمِ-، فَيَكُونُ المَنْهيُّ عَنْهُ هُوَ أَصْلُ الإِطْرَاءِ.

وَيَدُلُّ لِذَلِكَ سِيَاقُ الحَدِيثِ؛ فَقَد أَمَرَ النَّبِيُّ أَنْ يَقُولُوا: ((عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ))، وَهَذَا هُوَ المَآلُ مِنَ النَّهْيِّ عَنِ الإِطْرَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَو كَانَ النَّهْيُ هُوَ عَنْ ادِّعَاءِ أَنَّهُ ابْنٌ للهِ تَعَالَى فَقَط -وَالَّذِي يَنْبَنِي عَلِيهِ جَوَازُ ادِّعَاءِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ! وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ مِنْ شِرْكِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النَّحْل: ٦٠] (١).

وَلَا يَخْفَى إِنْ شَاءَ اللهُ أنَّ أَنْوَاعَ الشِّرْكِ كَثِيرْةٌ وَلَيسَتْ مَحْصُورَةً فَقَط بِشِرْكِ النَّصَارى بِاتِّخَاذِ الوَلَدِ! بَلْ إِنَّ أَصْلَ شِرْكِ المُشْرِكِينَ هُوَ ادِّعَاءُ أَنَّ للهِ تَعَالَى شُفَعَاءَ مِنَ الصَّالِحِينَ يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ بِغَيرِ إِذْنِهِ لَهُم وَبِغَيرِ رِضَاهُ عَنِ المَشْفُوعِ فِيهِم.

قَالَ القُرْطُبِيُّ فِي التَّفْسِيرِ: "وَأَمَّا قَولُهُ فِي صَحِيحِ الحَدِيثِ: ((لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عَيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ)) فَمَعْنَاهُ: لَا تَصِفُونِي بِمَا لَيسَ فِيَّ مِنَ الصِّفَاتِ تَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ مَدْحِي، كَمَا وَصَفَتِ النَّصَارَى عِيسَى بِمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَنَسَبُوهُ إِلَى أَنَّهُ ابْنُ اللهِ فَكَفَرُوا بِذَلِكَ وَضَلُّوا.

وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ رَفَعَ امْرَأً فَوقَ حَدِّهِ، وَتَجَاوَزَ مِقْدَارَهُ بِمَا لَيسَ فِيهِ؛ فَمُعْتَدٍ


(١) وَتَقْدِيمُ الجَارِّ وَالمَجْرُورِ فِي قَولِهِ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ يُفِيدُ الحَصَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>