للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آثِمٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَو جَازَ فِي أَحَدٍ لَكَانَ أَولَى الخَلْقِ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ " (١).

٢ - أنَّ قَولَهُ : ((فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ)) هُوَ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ فِي الحَصْرِ، أَي: مَا هُوَ إِلَّا عَبْدٌ رَسُولٌ، وَجَاءَ هَذَا الحَصْرُ بَعْدَ فَاءِ التَّعْلِيلِ لِبَيَانِ أَنَّ العِلَّةَ فِي عَدَمِ الإطْرَاءِ هُوَ لِكَونِهِ فَقَط عَبْدٌ رَسُولٌ، فَهُوَ عَبْدٌ لَا يُعبْدُ، وَرَسُولٌ لَا يُكَذَّبُ.

٣ - قَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ الكَثِيرَةُ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى النَّهْي عَنِ الغُلوِّ مُطْلَقًا وَعَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ جَاءَتْ فِي سِيَاقِ المَدْحِ، وَلَكِنْ نُهِيَ عَنْهَا خَوفًا مِمَّا تَكُونُ ذَرِيعَةً إِلَيهِ.

وَتَأَمَّلِ الأَحَادِيثَ الآتِيَةَ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ:

أ- عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ : يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَيَا خَيرَنَا وَابْنَ خَيرِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا بِقَولِكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيطَانُ! أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَرَسُولُ اللهِ. وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوقَ مَا رَفَعَنِي اللهُ ﷿) (٢).

ب- عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ؛ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا. فَقَالَ: ((السَّيِّدُ اللهُ ). قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا، وَأَعْظَمُنَا طَولًا. فَقَالَ: ((قُولُوا بِقَولِكُمْ أَو بَعْضِ قَولِكُمْ؛ وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيطَانُ)) (٣) (٤).


(١) تَفْسِيرُ القُرْطُبِيِّ (٥/ ٢٤٧).
(٢) صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (١٣٥٢٩)، وَالنَّسَائِيُّ فِي الكُبْرَى (١٠٠٠٧). غَايَةُ المَرَامِ (١٢٧).
(٣) أَي: لَا يَتَّخِذَنَّكُم الشَّيطَانُ جَرِيًّا لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الأثير فِي كِتَابِهِ النِّهَايَةُ فِي غَرِيبِ الحَدِيثِ وَالأَثَرِ (١/ ٧٣٩): "يُرِيدُ: تَكَلَّمُوا بِمَا يَحْضُرُكُم مِنَ القَولِ، وَلَا تَتَكَلَّفُوهُ كَأَنَّكُم وُكَلَاءُ الشَّيطَانِ وَرُسُلُهُ تَنْطقُونَ عَنْ لِسَانِهِ".
(٤) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٨٠٦). صَحِيحُ أَبِي دَاوُدَ (٤٨٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>