للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا لَمْ تَنْفَعْ أَيضًا شَفَاعَةُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: ((فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِيَ يَومَ يُبْعَثُونَ؛ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟! فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ)) (١).

كَمَا لَمْ تَنْفَعْ أَيضًا شَفَاعَةُ نُوحٍ فِي ابْنِهِ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٥ - ٤٦].

وَبِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ طَلَبُهَا مِنَ العَبْدِ، بل تُطْلَبُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِأَنْ يُشفِّعَ النَّبِيَّ فِيهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ دُعَاءِ الضَّرِيرِ: ((اللَّهُمَّ؛ فَشَفِّعْهُ فِيَّ)) (٢).


(١) وَالحَدِيثُ فِي البُخَارِيِّ (٣٣٥٠) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا: ((يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَومَ القِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟! فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَومَ لَا أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِيَ يَومَ يُبْعَثُونَ؛ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟! فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ؛ مَا تَحْتَ رِجْلَيكَ؟ فَيَنْظُرُ؛ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ! فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ)).
وَ (الذِّيخُ): ذَكَرُ الضَّبْعِ الكَثِيرُ الشَّعْرِ، حَيثُ أُرِيَ إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ عَلَى غَيرِ هَيئَتِهِ وَمَنْظَرِهِ لِيَسْرُعْ إِلَى التَّبَرُّؤِ مِنْهُ. وَقَولُهُ (مُلْتَطِخٌ): أَي: مُتَلَوّثٌ بِالدَّمِ وَنَحْوِهِ.
(٢) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٥٧٨)، وَأَحْمَدُ (١٧٢٤١) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيفٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (١٢٧٩).
وَتَمَامُهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيفٍ: أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ ، فَقَالَ: اُدْعُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَني، قَالَ: ((إِنْ شِئْتَ دَعَوتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ؛ فَهوَ خَيرٌ)) -وَفِي رِوَايَةٍ ((وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ؛ فَهوَ خَيرٌ لَكَ)) -، فَقَالَ: ادْعُهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ؛ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَين، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحمَّدُ؛ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى لِي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ))، فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرِئَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>