للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْبِيهٌ:

وَهَذَا الإِتْيَانُ مِنَ الضَّرِيرِ إِلَى النَّبِيِّ مَقْرُونٌ بِحَيَاتِهِ فَقَط، أَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دُعَاءِ الأَمْوَاتِ، وَهوَ شِرْكٌ بِاللهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النَّحْل: ٢٠ - ٢١].

وَكَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأَحْقَاف: ٥].

وَأَمَّا يَومُ القِيَامَةِ؛ فَيَطْلُبُ النَّاسُ مِنْهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُم عِنْدَ رَبِّهِم لِأَنَّهُ حَيٌّ حَاضِرٌ قَادِرٌ، وَلَكِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَشْفَعُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ إِلَّا فِيمَنْ أَذِنَ اللهُ لَهُم حَيثُ يُجْعَلُ لَهُ حَدٌّ في كُلِّ مَرَّةٍ فَيُدْخِلُهُم الجَنَّةَ.

٢ - أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَدَّ لَهُ مَنْ سَيَدْخُلُ الجَنَّةَ، وَلَيسَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ! كَمَا فِي نَفْسِ الحَدِيثِ: ((فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا أَنَا رَأَيتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ؛ ارْفَعْ رَأْسَكَ، قُلْ تُسْمَعْ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي؛ فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ -يُعَلِّمُنِيهِ رَبيَّ- ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١) (٢).


(١) مُسْلِمٌ (١٩٣).
(٢) وَمِنْ بَابَ التَّقْرِيبِ لِلأَذْهَانِ: أَرَأَيتَ لَو أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى هَدِيَّةً إِلَى صَدِيقِهِ وَأَرْسَلَهَا مَعَ عَامِلِهِ؛ فَهَلْ يَكُونُ فِيهَا الفَضْلُ لِلعَامِلِ أَمْ لِمَنْ أَرْسَلَهُ؟! وَمَا رَأْيُكَ بِمَنْ شَكَرَ هَذَا العَامِلَ وَتَعَلَّقَ بِهِ وَطَلَبَ مِنْهُ المَزِيدَ؟ هَلْ يَكُونُ إِلَّا جَاحِدًا مُنْكِرًا لِإِحْسَانِ صَاحِبِهِ؛ بِحَيثُ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ العَامِلَ هُوَ الَّذِي أَهْدَانِي وَلَيسَ أَنْتَ لِأَنِّي رَأَيتُهَا في يَدِهِ؟! فَقَارِنْ بَينَ هَذَا وَبَينَ قَولِ النَّاظِمِ لِلبُرْدَةِ:
(يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ … سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمَمِ
إِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَعَادِي آخِذًا بِيَدِي … فَضْلًا وَإِلَّا فَقُلْ يَا زَلَّةَ القَدَمِ)!!!

<<  <  ج: ص:  >  >>