للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّيخُ مُحَمَّدُ الأَمِينُ الشَّنْقِيطِيُّ فِي كِتَابِهِ (أَضْوَاءُ البَيَانِ فِي إِيضَاحِ القُرْآنِ بِالقُرْآنِ) -عِنْدَ تَفْسِيرِ سُورَةِ الكَهْفِ-: "أَخَذَ بَعْضُ العُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أَنَّ العُذْرَ بِالإِكْرَاهِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ، لِأَنَّ قَولَهُ عَنْ أَصْحَابِ الكَهْفِ: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ ظَاهِرٌ فِي إِكْرَاهِهِم عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ طَواعيَّتِهِم؛ وَمَعْ هَذَا قَالَ عَنْهُم: ﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾! فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الإِكْرَاهَ لَيسَ بِعُذْرٍ.

وَيَشْهَدُ لِهَذَا المَعْنَى حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ فِي الَّذِي دَخَلَ النَّار فِي ذُبَابٍ قَرَّبَهُ مَعَ الإِكْرَاهِ بِالخَوفِ مِنَ القَتْلِ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ الَّذِي امتنعَ أنْ يُقَرِّبَ -وَلَو ذُبَابًا- قَتَلُوهُ.

وَيَشْهَدُ لَهُ أَيضًا دَلِيلُ الخِطَابِ، أَي: مَفْهُومُ المُخَالَفَةِ فِي قَولِهِ : ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ) فَإِنَّهُ يُفهَمُ مِنْ قَولِهِ: ((تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي)) أَنَّ غَيرَ أُمَّتِهِ مِنَ الأُمَمِ لَمْ يُتَجَاوَزْ لَهُم عَنْ ذَلِكَ" (١).

قُلْتُ: وَكَذَا يُفْهَمُ مِن وُقُوعِ المُؤَاخَذَةِ عَلَى كُفْرِ سَحَرَةِ فِرْعَونَ رُغْمَ الإِكْرَاهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ [طه: ٧٣].

٣ - وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الحَدِيثَ مِنَ الإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَلَيسَ بِمَرْفُوعٍ، وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي هَذَا الاسْتِدْلَالِ لِمُخَالَفَتِهِ النُّصُوصَ الكَثِيرَةَ المُصَرِّحَةَ بِالعُذْرِ بِالإِكْرَاهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ


=
هَذَا الحَدِيثِ بينَ أَهْلِ العِلْمِ مَا بَينَ مُضَعِّفٍ ومُنْكِرٍ؛ وَمَا بَينَ مُحَسِّنٍ وَمُصَحِّحٍ، وَالخَلَاصَةُ فِيهِ هُوَ الصِّحَّةُ لِكَثْرَةِ طُرُقِه وَشَوَاهِدِهِ.
(١) أَضْوَاءُ البَيَانِ (٣/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>