هَذَا؛ وَإِنِّي لَأَسْتَنْكِرُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ: دُخُولَ الرَّجُلِ النَّارَ فِي ذُبَابٍ! لِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ خَوفًا مِنَ القَتْلِ الَّذِي وَقَعَ لِصَاحِبِهِ، كَمَا أَنَّنِي اسْتَنْكَرْتُ قَولَ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي المَسْأَلَةِ الحَادِيَةَ عَشَرةَ: أَنَّ الَّذِي دَخَلَ النَّارَ مًسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَافِرًا؛ لَمْ يَقُلْ: دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ!فَأَقُولُ: وَجْهُ الاسْتِنْكَارِ: أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَمْرَينِ:الأَوَّلِ: أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ الذُّبَابَ لِلصَّنَمِ؛ إِنَّمَا قَدَّمَهُ عِبَادَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا، فَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لَا يَكُون مُسْلِمًا؛ بَلْ هُوَ مُشْرِكٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الشَّيخِ سُلَيمَان ﵀ (ص ١٦١): (فِي هَذَا بَيَانُ عَظَمَةِ الشِّرْكِ وَلَو فِي شَيءٍ قَلِيلٍ وَأَنَّهُ يُوجِبُ النَّارَ، أَلَا َتَرى إِلَى َهَذا لَمَّا قَرَّبَ لِهَذَا الصَّنَمِ أَرْذَلَ الحَيَوَانِ وَأَخَسَّهُ وَهُوَ الذُّبَابُ كَانَ جَزَاؤُهُ النَّارَ؛ لِإِشْرَاكِهِ فِي عِبَادَةِ اللهِ؟! إِذِ الذَّبْحُ عَلَى سَبِيلِ القُرْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ عِبَادَةٌ، وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: ٧٢]).وَالآخَرِ: أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَوفًا مِنَ القَتْلِ -كَمَا تَقَدَّمَ مِنِّي-، وَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لَا تَجِبُ لَهُ النَّارُ! فَالحُكْمُ عَلَيهِ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ؛ يَأْبَاهُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النَّحْل: ١٠٦]، وَقَدْ نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ عَذَّبَهُ المُشْرِكُونَ حَتَّى يَكْفُرَ بِهِ ﷺ، فَوَافَقَهُم عَلَى ذَلِكَ مُكْرَهًا، وَجَاءَ مُعْتَذِرًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ كَمَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ وَغَيرِهِ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute