للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ قَلِيبِ بَدْرٍ؛ وَأَقْتَصِرُ عَلَى رِوَايَتَينِ فِيهِ:

- حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي البُخَارِيِّ، قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ؛ فَقَالَ: ((هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟)) ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ))، فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ؛ فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ : ((إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ هُوَ الحَقُّ)) ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ حَتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ (١) (٢).

- حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الصَّحِيحَينِ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ أَمَرَ يَومَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَومٍ أَقَامَ بِالعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ اليَومَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ:


(١) البُخَارِيُّ (٣٩٨٠).
(٢) تَوجِيهٌ: هُنَا لَا يُقْبَلُ تَقْدِيمُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى كَلَامِ عَائِشَة بِدَعْوَى أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَشْهَدْ ذَلِكَ! وَهَذَا بِسَبَبِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا أَيضًا، حَيثُ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (١٨٦٨) أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ يَومَ بَدْرٍ -وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٍ- فَلَمْ يُجِزْهُ لِلقِتَالِ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ حَدِيثُهُ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ مَا رُويَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي تَأْيِيدِ مَا رَوَاهُ .
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي كِتَابِ السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ (٢/ ٤٥٠): "الصَّوَابُ: قَولُ الجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُم، لِلأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ نَصًّا عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَتْ إِلَيهِ وَأَرْضَاهَا".
قُلْتُ: وَلَعَلَّ عَائِشَةَ رَجَعَتْ عَنْ هَذَا إِلَى إِثْبَاتِ لَفْظِ الحَدِيثِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : "وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ فِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ رِوَايَةَ يُونُسَ بْنِ بُكَيرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ وَفِيهِ: ((مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ))، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا؛ فَكَأَنَّهَا رَجَعَتْ عَنِ الْإِنْكَارِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهَا مِنْ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهَا لَمْ تَشْهَدِ الْقِصَّةَ". فَتْحُ البَارِي (٧/ ٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>