للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

((يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ؛ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ؛ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟)) (١)، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ)). قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَولَهُ تَوبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا (٢).

وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ أُمُورٌ:

أ- مَا فِي الرِّوَايَةِ الأُولَى مِنْ تَقْيِيدِهِ سَمَاعَ مَوتَى القَلِيبِ بِقَولِهِ: ((الآنَ))، فَإِنَّ مَفْهومَهُ أَنَّهُم لَا يَسْمَعُونَ فِي غَيرِ هَذَا الوَقْتِ، وَهُوَ المَطْلُوبُ.

فَفِيهَا تَنْبِيهٌ قَوِيٌّ عَلَى أَنَّ الأَصْلَ فِي المَوتَى أَنَّهُم لَا يَسْمَعُونَ؛ وَلَكِنَّ أَهْلَ القَلِيبِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ قَدْ سَمِعُوا نِدَاءَ النَّبِيِّ ، وَذَلِكَ بِإِسْمَاعِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُم خَرْقًا لِلعَادَةِ وَمُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ ، وَلِذَلِكَ أَورَدَهُ الخَطِيبُ التَّبْرِيزِيُّ فِي بَابِ المُعْجِزَاتِ مِنْ مِشْكَاةِ المَصَابِيحِ.

قَالَ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ : "وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ((مَا أَنْتُم بِأَسْمَعَ مِنْهُم) قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فيُشْبِهُ أَنَّ قِصَّةَ بَدْرٍ خَرْقُ عَادَةٍ لِمُحَمَّدٍ فِي أَنْ رَدَّ اللهُ إِلَيهِم إِدْرَاكًا سَمِعُوا بِهِ مَقَالَهُ، وَلَولَا إِخْبَارُ رَسُولِ اللهِ بِسَمَاعِهِم لَحَمَلْنَا نِدَاءَهُ إِيَّاهُم عَلَى


(١) "أَيْ هَلْ تَتَمَنَّوْنَ أَنْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ بَعْدَمَا وَصَلْتُمْ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: فَالْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَتَحْزَنُونَ وَتَتَحَسَّرُونَ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَمْ لَا؟ وَتَذْكُرُونَ قَوْلَنَا لَكُمْ: إِنَّ اللَّهَ سَيُظْهِرُ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَيَنْصُرُ أَوْلِيَاءَهُ وَيَخْذُلُ أَعْدَاءَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا". مِرْقَاةُ المَفَاتِيحِ (٦/ ٢٥٥٣).
(٢) البُخَارِيُّ (٣٩٧٦)، وَمُسْلِمٌ (٢٨٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>