للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَى التَّوبِيخِ لِمَنْ بَقيَ مِنَ الكَفَرةِ، وَعَلَى مَعْنَى شِفَاءِ صُدُورٍ المُؤْمِنِينَ" (١).

ب- أَنَّ النَّبِيَّ أَقَرَّ عُمَرَ وَغَيرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا كَانَ مُسْتَقِرًّا فِي نُفُوسِهِم وَاعْتِقَادِهِم أَنَّ المَوتَى لَا يَسْمَعُونَ (٢)، حَيثُ بَادَرَ الصَّحَابَةُ (٣) لَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَهُ لِمَوتَى القَلِيبِ بِقَولِهِم: "مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ؛ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا! " فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُم كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِذَلِكَ سَابِقٍ تَلَقَّوهُ مِنْهُ ، وَإِلَّا لَمْ يُبَادِرُوا لِذَلِكَ الإِنْكَارِ.

فَالنَّبِيُّ لَمْ يُخَطِّئ فَهْمَهُم وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إِلَى تَخْصِيصِ هَذَا السَّمَاعِ بِأَمْرَينِ وَهُمَا: ((الآنَ)) بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ، وَ ((إنَّهُم)) أَي: أَهْلَ القَليبِ؛ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ جَمْيِعِ المَوتَى.

قُلْتُ: وَهَذَا العِلْمُ السَّابِقُ مِنْهُم هُوَ إِمَّا مِنْ جِهَةِ البَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ فِي أَعْرَافِ النَّاسِ وَمَا اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِهِم، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا الأَخِيرَ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى جَيَّفُوا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيهِمْ؛ فَقَالَ: ((يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا) قَالَ: فَسَمِعَ عُمَرُ صَوتَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُنَادِيهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ؟! وَهَلْ يَسْمَعُونَ؟ يَقُولُ اللهُ ﷿: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾، فَقَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا)) (٤).

ج- قَولُ رَاوِي الحَدِيثِ قَتَادَةَ؛ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَحْيَاهُم لِيَسْمَعُوا التَّوبِيخَ وَلِيَزْدَادُوا


(١) تَفْسِيرُ القُرْطُبِيِّ (١٣/ ٢٣٢).
(٢) وَكَذَا كَانَ فَهْمُ عَائِشَة حِينَ أنْكَرَتْ قَولَ: ((يَسْمَعُونَ)) وَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ: "يَعْلَمُونَ".
(٣) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ حُمَيدٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَه بِلَفْظِ: (قَالُوا) بَدَلَ: (قَالَ عُمَرُ). مُسْنَدُ أَحْمَد (١٢٠١٢).
(٤) صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. مُسْنَدُ أَحْمَدَ (١٤٠٦٤). مُخْتَصَرُ صَحِيحِ البُخَارِيِّ لِلْأَلْبَانِيِّ (٣/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>