للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ المُنَازِعَةُ للثَّانِيَةِ ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَينَهُمْ﴾ وَقَدْ جَاءَ مِنْ صِفَتِهَا تَسْلِيمُ العِلْمِ بِحَالِ أَهْلِ الكَهْفِ إِلَى اللهِ تَعَالَى ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾؟! وَهَذَا أَولَى بِالاقْتِدَاءِ مِنَ الَّذِينَ وُصِفُوا بِالغَلَبَةِ فَقَط (١).

٦ - أنَّهُ إِذَا قِيلَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ؛ فَيُقَالُ: إِنَّ بِنَاءَ المَسْجِدِ عَلَيهِم فِي الكَهْفِ لَهُ حَالَانِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ البِنَاءُ تَمَّ عَلَى ظَهْرِ الجَبَلِ الَّذِي فِيهِ الكَهْفُ (٢)، أَو أَنْ يُبْنَى عِنْدَ بَابِ الكَهْفِ (٣)، وَفِي الحَالَتِينِ لَيسَ فِيهَا صُورَةُ قَبْرٍ فِي مَسْجِدٍ (٤)! فَبَطَلَ الاسْتِدْلَالُ مِنْ أَصْلِهِ. وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ (٥).


(١) عَلَى أنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُضَافَ أَيضًا بِأنَّهُ لَيسَ فِي القُرْآنِ أَنَّهُم عَمِلُوا بِذَلِكَ، بَلْ مُجَرَّدُ حُصُولِ التَّنَازُعِ.
(٢) قَالَ الآلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ رُوحُ المَعَانِي (٨/ ٢٢٧): "وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: إِنَّ ذَلِكَ الاتِّخَاذَ كَانَ عَلى الكَهْفِ فَوقَ الجَبَلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَفِي خَبَرِ مُجَاهِدٍ أَنَّ المَلِكَ تَرَكَهُم فِي كَهْفِهِم وَبَنَى عَلَى كَهْفِهِم مَسْجِدًا -وَهَذَا أَقْرَبُ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ كَمَا لَا يَخْفَى-، وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيهِ عَلَى القَولِ بِأَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ مَاتُوا بَعْدَ الإِعْثَارِ عَلَيهِم، وَأَمَّا عَلَى القَولِ بِأَنَّهُم نَامُوا كَمَا نَامُوا أَوَّلًا فَلَا يُحْتَاجُ إِلَيهِ عَلَى مَا قِيلَ.
وَبِالجُمْلَةِ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ أَدْنَى رَشَدٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى خِلَافِ مَا نَطَقَتْ بِهِ الأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ وَالآثَارُ الصَّرِيحَةُ مُعَوِّلًا عَلَى الاسْتِدْلَالِ بِهَذِه الآيَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الغِوَايةِ غَايَةٌ، وَفِي قِلَّةِ النُّهَى نِهَايَةٌ، وَقَدْ رَأَيتُ مَنْ يُبِيحُ مَا يَفْعَلُهُ الجَهَلَةُ فِي قُبُورِ الصَّالِحِينَ مِنْ إِشْرَافِهَا وَبِنَائِهَا بِالجِصِّ وَالآجُرِّ وَتَعْلِيقِ القَنَادِيلِ عَلَيهَا وَالصَّلَاةِ إِلَيهَا وَالطَّوَافِ بِهَا وَاسْتِلَامِهَا وَالاجْتِمَاعِ عِنْدَهَا فِي أَوقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مُحْتَجًّا بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ؛ وَبِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ القِصَّةِ مِنْ جَعْلِ المَلِكِ لَهُم فِي كُلِّ سَنَةٍ عِيدًا".
(٣) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُرِّ المَنْثُورِ (٥/ ٣٧٥): "وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ .... فَقَالَ المَلِكُ: لَأَتَّخِذَنَّ عِنْدَ هَؤُلْاءِ القَومِ الصَّالِحِينَ مَسْجِدًا".
(٤) عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ أَيضًا: لَيسَ فِي الآيَةِ بَيَانُ مَوتِهِم حَتَّى يُجْعَلَ لَهُم قَبْرٌ ثُمَّ يُقَالُ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ! بَلْ يُجْزَمُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُم قَبْرٌ، بَلْ مَاتُوا فِي صَحْنِ الكَهْفِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ [الكَهْف: ٢١]، فَلَو عَلِمُوا عَنْهُم شَيئًا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُم ذَلِكَ القَولُ.
(٥) وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ دَاخِلَ الكَهْفِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ الكَهْفِ -الَّذِي أُعِدَّ لِلاخْتِبَاءِ- لَا يُفْتَرَضُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّعَةِ مَا يُمَكِّنُ مِنَ البِنَاءِ بِدَاخِلِهِ، عَدَا عَنْ كَونِهِ بِحُكْمِ المَبْنِيِّ أَصْلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>