للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ؛ يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا))، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّه لَمَّا وَجَدَ قَبْرَ دَانْيَال -فِي زَمَانِهِ بِالعِرَاق- أَمَرَ أَنْ يُخْفَى عَنِ النَّاسِ" (١) (٢).

قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ المُفَسِّرُونَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ هُمُ المُسْلِمُونَ أَمِ المُشْرِكونَ! فَمَا القَولُ بِهَذَا الفِعْلِ الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ الظَّنُّ بَينَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ؟ فَهَلْ هَذَا إِلَّا دَلِيلٌ عَلَى الذَّمِّ (٣)، وَاللهُ أَعْلَمُ.

٤ - أَنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ لَمْ تُسَقْ لِبَيَانِ حُكْمِ هَذَا الفِعْلِ أَصْلًا! وَلَكِنَّهَا كَانَتِ اخْتِبَارًا لِلمُشْرِكِينَ فِي تَصْدِيقِهِم بِالآيَاتِ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (٤): "وَإنَّمَا قُلنَا إِنَّ القَولَ الأَوَّلَ أَولَى بِتَأْوِيلِ الآيَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ ﷿ أَنْزَلَ قِصَّةَ أَصْحَابِ الكَهْفِ عَلَى نَبِيِّهِ احْتِجَاجًا بِهَا عَلَى المُشْرِكِينَ مِنْ قَومِهِ -عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- إِذْ سَأَلُوهُ عَنْهَا اخْتِبَارًا مِنْهُم لَهُ بِالجَوَابِ عَنْهَا لِصِدْقِهِ" (٥).

٥ - لِمَاذَا احْتُجَّ بِقَولِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي عَلَامَتُهَا الغَلَبَةُ، وَلَمْ يُحْتَجَّ بِالأُولَى


(١) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (٥/ ١٤٧).
(٢) وَهُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ. أَورَدَهُ الرَّبَعِيُّ فِي كِتَابِ (فَضَائِلِ الشَّامِ)، اُنْظُرْ تَخْرِيجَ كِتَابِ فَضَائِلِ الشَّامِ (ص ٥١)، وَصَحَّحَهُ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ فِي أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّورِ (ش ٣٠٤).
(٣) فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَقَدْ تَمَّتِ الحُجَّةُ، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَهُم جُهَّالُهُم؛ وَلَيسَ فِعْلُهُم بِحُجَّةٍ، كَحَالِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ.
(٤) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ (١٧/ ٦٠١).
(٥) عَلَى أَنَّه يُمْكِنُ إِضَافَةُ فَائِدَةٍ ثَانيَةٍ فِي سَبَبِ إِيرَادِ هَذِهِ القِصَّةِ؛ وَهِيَ تَنْبِيهُ الأُمَّةِ إِلَى سَدِّ القُبُورِ؛ وَأَنَّ أَهْلَ الإِيمَانِ مِنْهُم كَانُوا يُنَازِعُونَ أَهْلَ الغَلَبَةِ عَلَى المَنْعِ مِنْ بِنَاءِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (٥/ ١٤٧): " ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيهِمْ بُنْيَانًا﴾: أَي: سُدُّوا عَلَيهِم بَابَ كَهْفِهِم، وَذَرُوهُم عَلَى حَالِهِم".

<<  <  ج: ص:  >  >>