للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخِرَهُم مَوتًا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَتُوفِّيَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ المَلِكِ، فَإِنَّه تُوفيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ، وَالوَلِيدُ تَوَلَّى سَنَةَ سِتِّ وَثَمَانِينَ، وَتُوفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ، فَكَانَ بِنَاءُ المَسْجِدِ وَإدْخَالُ الحُجْرَةِ فِيهِ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ" (١).

وَعَلَيهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِفِعْلِ الوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ عَلَى أَحَادِيثِ النَّبِيِّ النَّاهِيَةِ! مَعَ مَا عَلِمْتَ مِنْ سَعْي الصَّحَابَةِ إِلَى عَزْلِ القَبْرِ عَنِ المَسْجِدِ (٢).


(١) الصَّارِمُ المُنْكي (ص ١٥١).
(٢) هَذَا وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ كَثِيرْةٌ فِي بَيَانِ إِنْكَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عضلَى ذَلِكَ البِنَاءِ وَالاتِّخَاذِ، وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ ثَلَاثَةٌ:
أ- أَورَدَ السُّيُوطِيُّ فِي الجَامِعِ الكَبِيرِ -وَالأَثَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ زَنْجَوِيه- عَنْ عُمَرَ مَولَى غُفْرَة؛ قَالَ: لَمَّا ائْتَمَرُوا فِي دَفْنِ رَسُولِ اللهِ قَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ حَيثُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَقَامِهِ! قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَجْعَلَهُ وَثَنًا يُعْبَدُ! وَقَالَ آخَرُونَ: نَدْفِنُهُ فِي البَقِيعِ حَيثُ دُفِنَ إِخْوَانُهُ مِنَ المَهَاجِرِينَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّا نَكْرَهُ أَنْ نُخْرِجَ قَبْرَ رَسُولِ اللهِ إِلَى البَقِيعِ فَيَعُوذُ بهِ عَائِذٌ مِنَ النَّاسِ -للهِ عَلَيهِ حَقٌّ- وَحَقُّ اللهِ فَهُوَ حَقُّ رَسُولِ اللهِ ؛ فَإِنْ أَخَذْنَا بِهِ ضَيَّعْنَا حَقَّ اللهِ، وَإِنْ أَخْفَرْنَاهُ أَخْفَرْنَا قَبْرَ رَسُولِ اللهِ ! قَالُوا: فَمَا تَرَى أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: ((مَا قَبَضَ اللهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا دُفِنَ حَيثُ قَبَضَ رُوحَهُ)). قَالُوا: فَأَنْتَ -وَاللهِ- رَضِيُّ مُقْنِعٌ، ثُمَّ خَطُّوا حَولَ الفِرَاشِ خَطًّا، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلِيٌّ وَالعبَّاسُ وَالفَضْلُ وَأَهْلُهُ، وَوَقَعَ القَومُ فِي الحَفْرِ يَحْفِرُونَ حَيثُ كَانَ الفِرَاشُ. ذَكَرَهُ فِي فِضَائِلِ الصِّدِّيقِ.
قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ فِي كِتَابِهِ تَحْذِيرُ السَّاجِدِ (ص ١٣): قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهُوَ مُنْقَطِعٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، فَإِنَّ عُمَرَ مَولَى غُفْرَةَ -مَعَ ضَعْفِهِ- لَمْ يُدْرِكْ أيَّامَ الصِّدِّيقِ. كَذَا فِي (الجَامِعِ الكَبِيرِ) لِلسُّيُوطِيِّ (٣/ ١٤٧/١٢).
ب- رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ (٤/ ٢١): "عَنْ سَالِمِ أَبِي النَّضْرِ؛ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ المُسْلِمُونَ فِي عَهْدِ عُمَرَ ضَاقَ بِهُمُ المَسْجِدُ؛ فَاشْتَرَى عُمَرُ مَا حَولَ المَسْجِدِ مِنَ الدُّورِ إِلَّا دَارَ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلبِ وَحُجَرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: يَا أَبَا الفَضْلِ إِنَّ مَسْجِدَ المُسْلِمِينَ قَدْ ضَاقَ بِهِم، وَقَدْ ابْتَعْتُ مَا حَولَهُ منَ المَنَازِلِ نُوَسِّعُ بهِ عَلَى المُسْلِمِينَ فِي مَسْجِدِهِم إِلَّا دَارَكَ وَحُجَرَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا حُجُرَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِين فَلَا سَبِيلَ إِلَيهَا، وَأَمَّا دَارُكَ فَبِعْنِيهَا بِمَا شِئْتَ مِنْ بَيتِ مَالِ المُسْلِمِينَ أُوَسِّعُ بِهَا فِي مَسْجِدِهِم".
جـ- أَنْكَرَ سَعِيدُ بْنُ المَسَيِّبِ -وَقَدْ تُوُفِّيَ بَعْدَ التِّسْعِين- ذَلِكَ الِإدْخَالَ، فَقَدْ قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ
=

<<  <  ج: ص:  >  >>