للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: بِنَاءُ أَبِي جَنْدَلٍ مَسْجِدًا عَلَى قَبْرِ أَبِي بَصِيرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -كَمَا فِي الاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ-! فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ:

١ - إِنَّ هَذَا الأَثَرَ لَيسَ لَهُ إِسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَيسَ فِي شَيءٍ مِنْ كُتُبِ الحَدِيثِ المَعْرُوفَةِ المَشْهُورَةِ، وَإنَّمَا أَورَدَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي بَصِيرٍ مِنْ كِتَابِهِ (الاسْتِيعَابُ) مُرْسَلًا فَقَالَ: "وَلَهُ قِصَّةٌ فِي المَغَازِي عَجِيبَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ؛ وَفِيهَا: فَدَفَنَهُ أَبُو جَنْدَل مَكَانَهُ، وَصَلَّى عَلَيهِ، وَبَنَى عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا" (١).

قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ فِي الكِتَابِ: "وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ (بَنَى عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا) مُعْضَلَةٌ مُنْكَرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ".

٢ - لَيسَ فِي القِصَّةِ أنَّ النَّبِيَّ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقرَّهُ! فَلَا حُجَّةَ فِيهَا.

٣ - أَنَّهُ لَو فَرَضْنَا أَنَّ النَّبِيَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَأَقَرَّهُ؛ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّ الأَحَادِيثَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ حَرَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ -كَمَا سَبَقَ-، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ النَّصُّ المُتَأَخِّرُ مِنْ أَجْلِ النَّصِّ المُتَقَدِّمِ -عَلَى فَرَضِ صِحَّتِهِ- (٢).


(١) الاسْتِيعَابُ (٤/ ١٦١٢).
(٢) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ (٢٥/ ٣٠٠) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِلَفْظِ: (وَجَعَلَ عِنْدَ قَبْرِهِ مَسْجِدًا) بَدَلَ: (عَلَى قَبْرِهِ). وَهُوَ مُرْسَلٌ أَو مُعْضَلٌ أَيضًا، فَلَمْ يَعُدْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى المَقْصُودِ.
وَفِي الفَتْحِ (٥/ ٣٥١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : "وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: (فكَتَبَ رَسُولُ اللهِ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ، فَقَدِمَ كِتَابُهُ -وَأَبُو بَصِيرٍ يَمُوتُ-، فَمَاتَ -وَكِتَابُ رَسُولِ اللهِ فِي يَدِهِ- فَدَفَنَهُ أَبُو جَنْدَلٍ مَكَانَهُ، وَجَعَلَ عِنْدَ قَبْرِهِ مَسْجِدًا) ".
قَالَ الشَّيخُ عَبْدُ اللهِ الدُّوَيش -فِي التَّعْلِيقِ عَلَى فَتْحِ البَارِي لِابْنِ حَجَرٍ-: "هَذَا لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّهُ إِمَّا مُرْسَلٌ أَو مُعْضَلٌ، خُصُوصًا مَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَضْعَفِ المَرَاسِيلِ؛ كَمَا روى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي
=

<<  <  ج: ص:  >  >>