للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُ: زَعَمَ بَعْضُهُم أَنَّ المَنْعَ مِنِ اتِّخَاذِ القُبُورِ مَسَاجِدَ؛ إِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةِ خَشْيَةِ الافْتِتَانِ بِالمَقْبُورِ، وَقَدْ زَالَتِ العِلَّةُ اليَومَ بِرُسُوخِ الإِيمَانِ وَالتَّوحِيدِ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ؛ فَزَالَ المَنْعُ! فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ:

١ - إِنَّ الصَّحَابَةَ إِنَّمَا دَفَنُوهُ فِي بَيتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا؛ فَغَيرُهُمْ أَولَى مِنْهُم -أَي: مِنْ جِهَةِ الافْتِتَانِ-، وَأَيضًا التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُم أَمَرُوا بِذَلِكَ وَعَمِلُوا بِهِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ؛ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ : ((لَا تَدَعَنَّ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيتَهُ، وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا)) (١).

وَفِي الأَثَرِ (قَالَ المَعْرُورُ بْنُ سُوَيدٍ الأَسَدِيُّ: خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا صَلَّى بِنَا الغَدَاةَ، ثُمَّ رَأَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ مَذْهَبًا، فَقَالَ: أَينَ يَذْهَبُ هَؤلَاءِ؟ قَيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ مَسْجِدٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ هُمْ يَأْتُونَهُ يُصَلُّونَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم بِمِثْلِ هَذَا: يَتَّبِعُونَ آثَارَ أَنْبِيَائِهِم فَيَتَّخِذُونَهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا! مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ المَسَاجِدِ فَلْيُصَلِّ؛ وَمَنْ


=
كِتَابِهِ الجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ (١/ ٢٤٦) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القَطَّانِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى إِرْسَالَ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ شَيئًا، وَيَقُولُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيحِ، وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ قَومٌ حُفَّاظٌ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا شَيئًا عَقلُوهُ، وَأَيضًا يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمُ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ".
قُلْتُ: فَالأَثَرُ الَّذِي فِي الفَتْحِ مُنْقَطِعٌ، وَلَيسَ فِيهِ البِنَاءُ عَلَى القَبْرِ نَفْسِهِ. وَالحَمْدُ للهِ.
(١) مُسْلِمٌ (٩٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>