للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَلَى القَاذِفِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النُّور: ٤].

وَقَذْفُ المُحْصَنِينَ الغَافِلِينَ المُؤْمِنِينَ كَقَذْفِ المُحْصَنَاتِ هُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَإنَّمَا خَصَّ بِذَلِكَ المَرْأَةَ؛ لِأَنَّ الغَالِبَ أَنَّ القَذْفَ يَكُونُ لِلنِّسَاءِ أَكْثَرُ؛ إِذِ البَغَايَا كَثِيرَاتٌ قَبْلَ الإِسْلَامِ، وَقَذْفُ المَرْأَةِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الشَّكَ فِي نَسَبِ أَولَادِهَا مِنْ زَوجِهَا؛ فَيُلْحِقُ بِهَنَّ القَذْفُ ضَرَرًا أَكْبَرَ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الغَالِبِ.

- حَدِيثُ بَجَالَةَ (١) بْنِ عَبَدَةَ أَنَّهُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ ؛ أَنَّ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. قَالَ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ. هُوَ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ، وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِيِّ.

وَفِيهِ مِنَ الفِقْهِ أَمْرُ الخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ -وَأَمْرُهُ النَّاسَ- بِقَتْلِ السَّوَاحِرِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ الاسْتِفْصَالُ.

- قَولُهُ: ((حَدُّ السَّاحِرِ)) بِمَعْنَى: عُقُوبَةُ السَّاحِرِ (٢)، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّاحِرَ مُرْتَدٌّ بِسِحْرِهِ، وَالرِدَّةُ لَيسَ لَهَا حَدٌّ وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ عَلَيهَا بِالقَتْلِ (٣)، وَالفَرْقُ بَينَ الحَدِّ وَعُقُوَبَةِ


(١) (بَجَالَة): بِفَتْحَتَينِ، وَ (عَبَدَة): بِفَتْحَتَينِ، العَنْبَريُّ؛ التَّمِيمِيُّ، أَدْرَكَ النَّبِيَّ وَلَمْ يَرَهُ، وَكَانَ كَاتِبًا لِجُزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ. اُنْظُرِ الإِصَابَةَ (١/ ٤٦٥).
(٢) أَي: أَنَّهُ لَيسَ عَلَى مَعْنَى تَطْهِيرِ المُسْلِمِ مِنْ ذَنْبِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كُلُّهُ كُفْرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَولِ الشَّافِعِيِّ فَيَصِحُّ عَلَى مَحْمَلٍ عِنْدَهُ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ سِحْرًا لَا كُفْرَ فِيهِ؛ فَيَصْدُقُ عَلَيهِ اسْمُ الحَدِّ اصْطِلَاحًا.
(٣) وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ (٣٠١٧) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)).

<<  <  ج: ص:  >  >>