للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّدَّةِ يَظْهَرُ مِن جَانِبَينِ:

أ- أَنَّ الحَدَّ إِذَا بَلَغَ الإِمَامَ لَا يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ؛ بَلْ يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، أَمَّا الكُفْرُ؛ فَإِنَّه يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ (١).

ب- أَنَّ الحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَصْحَابِهَا، وَتَنْفَعُ صَاحِبَهَا (٢)، وَأَمَّا الرِّدَّةُ؛ فَيُعَاقَبُ عَلَيهَا بِالقَتْلِ، وَلَا تَنْفَعُهُ بِشَيءٍ.

- قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ حَدِيثِ جُنْدُبٍ -الَّذِي فِيهِ قَتْلُ السَّاحِرِ-: "وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَغَيرِهِمْ، وَهُوَ قَولُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (٣)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي سِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الكُفْرَ، فَإِذَا


(١) وَأَمَّا اسْتِتَابَةُ السَّاحِرِ؛ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ، قَالَ العَينِيُّ فِي كِتَابِهِ (عُمْدَةُ القَارِي) (١٤/ ٦٤): "قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ -فِي المَشْهُورِ عَنْهُ-: لَا تُقْبَلُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: تُقْبَلُ. وَعَنْ مَالِكٍ: إِذَا ظُهِرَ عَلَيهِ لَمْ تُقْبَلْ تَوبَتُهُ كَالزِّنْدِيقِ، فَإِنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُظْهَرَ عَلَيهِ وَجَاءَ تَائِبًا قَبِلْنَاهُ وَلَمْ نُقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ قُتِلَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُ: فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَتَعَمَّدِ القَتْلَ؛ فَهُوَ مُخْطِئٌ تَجِبُ عَلَيهِ الدِّيَةُ".
(٢) فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ (٣٨٩٢) بَابُ: الحُدُودُ كَفَّارَةٌ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ؛ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: ((بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا)) وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا، ((فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيئًا فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ؛ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ)).
قَالَ العَينِيُّ فِي كِتَابِهِ عُمْدَةُ القَارِي (٢٣/ ٢٧٣): "قَالَ الكِرْمَانِيُّ: وَهَذِهِ الآيَةُ هِيَ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المُمْتَحِنَةُ: ١٢] ".
(٣) قَالَ فِي المُوَطَّأ (٢/ ٨٧١): "السَّاحِرُ: الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيرُهُ؛ هُوَ مِثْلُ الَّذِي قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>