للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وَجْهِ الإِضْلَالِ] (١)، وَتَعْلِيمُ المَلَكَينِ امْتِحَانًا مَعَ نُصْحِهِمَا لِئَلَّا يَكُونَ لَهُم حُجَّةٌ (٢).

فَهَؤُلْاءِ اليَهُودُ يَتَّبِعُونَ السِّحْرَ الَّذِي تُعَلِّمُهُ الشَّيَاطِينُ وَالسِّحْرَ الَّذِي يُعَلِّمُهُ المَلَكَانِ، فَتَرَكُوا عِلْمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَأَقْبَلُوا عَلَى عِلْمِ الشَّيَاطِينِ، وَكُلٌّ يَصْبُو إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ مَفَاسِدَ السِّحْرِ فَقَالَ: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ مَعَ أَنَّ مَحَبَّةَ الزَّوجَينِ لَا تُقَاسُ بِمَحَبَّةِ غَيرِهِمَا؛ لِأَنَّ اللهَ قَالَ فِي حَقِّهِمَا: ﴿وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الرُّوم: ٢١] وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَأَنَّهُ يَضُرُّ بِإِذْنِ اللهِ، أَي: بِإِرَادَةِ اللهِ،

وَالإِذْنُ نَوعَانِ: إِذْنٌ قَدَرِيٌّ؛ وَهُوَ المُتَعَلِّقُ بَمَشِيئَةِ اللهِ -كَمَا فِي هَذِهِ الآيَةِ-،


(١) زِيَادَةٌ مِنِّي -لَيسَتْ فِي الأَصْلِ- كَي يَسْتَقِيمَ الكَلَامُ.
(٢) كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشَّمْس: ٨). قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (٢٤/ ٤٥٤): "فَبَيَّنَ لَهَا مَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَأْتِيَ أَو تَذَرَ مِنْ خَيرٍ أَو شَرٍّ أَو طَاعَةٍ أَو مَعْصِيَةٍ".
قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ فِي مَجْمُوعِ الفَتَاوَى (١٥/ ٩٩): "كَذَلِكَ قَدْ قِيلَ فِي قَولِهِ: ﴿وَهَدَينَاهُ النَّجْدَينِ﴾ [البَلَد: ١٠]: أَي: بَيَّنَا لَهُ طَرِيقَ الخَيرِ وَالشَّرِّ؛ وَهُوَ هُدَى البَيَانِ العَامِّ المُشْتَرَكِ. وَقِيلَ: هَدَينَا المُؤْمِنَ لِطَرِيقِ الخَيرِ وَالكَافِرَ لِطَرِيقِ الشَّرِّ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ جَعَلَ الفُجُورَ هُدَى كَمَا جَعَلَ أُولَئِكَ البَيَانَ إلْهَامًا. وَكَذَلِكَ قَولُهُ ﴿إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإِنْسَان: ٣] قِيلَ: هُوَ الهُدَى المُشْتَرَكُ؛ وَهُوَ أَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ الطَّرِيقَ الَّتِي يَجِبُ سُلُوكُهَا وَالطَّرِيقَ الَّتِي لَا يَجِبُ سُلُوكُهَا. وَقِيلَ: بَلْ هَدَى كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَينِ إلَى مَا سَلَكَهُ مِنَ السَّبِيلِ ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>