للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذْنٌ شَرْعِيٌّ كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٩٧] (١).

وَفِي هَذِهِ الآيَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ أَنَّ الأَسْبَابَ مَهْمَا بَلَغَتْ فِي قُوَّةِ التَّأْثِيرِ؛ فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلقَضَاءِ وَالقَدَرِ لَيسَتْ مُسْتَقِلَّةً فِي التَّأْثِيرِ (٢).

ثُمَّ ذَكرَ أَنَّ عِلْمَ السِّحْرِ مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ، لَيسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا دِينِيَّةٌ وَلَا دُنْيَوِيَّةٌ كَمَا يُوجَدُ بَعْضُ المَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ فِي بَعْضِ المَعَاصِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الخَمْرِ والمَيسِرِ: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البَقَرَة: ٢١٩]، فَهَذَا السِّحْرُ مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ، فَلَيسَ لَهُ دَاعٍ أَصْلًا، فَالمَنْهِيَّاتُ كُلُّهَا إِمَّا مَضَرَّةٌ مَحْضَةٌ أَو شَرُّهَا أَكْبَرُ مِنْ خَيرِهَا، كَمَا أَنَّ المَأْمُورَاتِ إِمَّا مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ أَو خَيرُهَا أَكْثَرُ مِنْ شَرِّهَا.

﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ أَي اليَهُودُ ﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ أَي: رَغِبَ فِي السِّحْرِ رَغْبَةَ المُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ أَي: نَصِيبٍ، بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلعُقُوبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُم إِيَّاهُ جَهْلًا، وَلَكِنَّهُم اسْتَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ.

﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ عِلْمًا يُثْمِرُ العَمَلَ مَا فَعَلُوهُ" (٣).


(١) قُلْتُ: وَهِيَ غَيرُ ظَاهِرَةٍ عِنْدِي فِي كَونِهَا مِنَ الإِذْنِ الشَّرْعِيِّ -الَّذِي قَدْ يَقَعُ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ-، وَيُغْنِي عَنْهَا قَولُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَينَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشُّورَى: ٢١]. فَالإِذْنُ هُنَا هُوَ الأَمْرُ بِالشَّرْعِ؛ فَمِنَ النَّاسِ مُطِيعٌ وَمِنْهُ عَاصٍّ.
(٢) حَيثُ جُعِلَتْ مُقَيَّدَةً بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
(٣) تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ (ص ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>