للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ إِذَا سُحِرَ عَنْ طَرِيقِ النَّفْثِ بِالعُقَدِ ذَهَبَ إِلَى السَّحْرةِ وتَعَلَّقَ بِهِم لِيَكْشِفُوا مَا بهِم! وَتَعَلَّقُوا أَيضًا التَّمَائِمَ! فَكَانَ فِيهِ إِذًا الإِرْشَادُ إِلَى التَّوكلِ عَلَى اللهِ تَعَالَى الَّذِي بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ الأَسْبَابُ كُلُّهُا، وَمِنْ ثُمَّ يَتَعَاطَى مَا جَازَ فِي الشَّرِيعَةِ فِعْلُهُ مِنَ الأَسْبَابِ (١).

- (العِضَةُ): الكَذِبُ وَالبُهْتَانُ، وَ (العَضْهُ): التَّفْرِيقُ (٢).

قَالَ فِي القَامُوسِ المُحِيطِ (٣): "وَالعِضَةُ: السِّحْرُ وَالكِهَانَةُ، وَالعَاضِهُ: السَّاحِرُ" (٤).

- النَّمِيمَةُ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَهِيَ نَقْلُ الكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الوِشَايَةِ وَالإِفْسَادِ (٥).


(١) وَقَدْ يَشْمَلُ الحَدِيثُ مَنْ تَوَكَّلَ وَاعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ مُعْجَبًا بِمَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ؛ فَإِنَّهُ يُوكَلُ إِلَى نَفْسِهِ، ويُوكَلُ إِلَى ضَعْفٍ وَعَجْزٍ وَعَورَةٍ، وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ العَبْدُ دَائِمًا مُتَعَلِّقًا بِاللهِ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ حَتَّى فِي أَهْوَنِ الأُمُورِ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَلَّقَ بِصَنْعَةٍ مِنْ صَنْعَتِهِ أَو عَمَلٍ مِنْ عَمَلِهِ فَيُوكَلُ إِلَيهِ.
(٢) العَضْهُ -بِفَتْحِ المُهْمَلَةِ وَسُكُونِ المُعجَمَةِ- قَالَ ابْنُ الأثير فِي كِتَابِهِ النِّهَايَةُ فِي غَرِيبِ الحَدِيثِ وَالأَثَرِ (٣/ ٤٩٦): "هَكَذَا يُرْوَى فِي كُتُبِ الحَدِيثِ، وَالَّذِي فِي كُتُبِ الغَرِيبِ: ((ألَا أُنَبِّئُكُم مَا العِضَةُ)) بِكَسْرِ العَينِ وَفَتْحَ الضَّادِ".
(٣) القَامُوسُ المُحِيطُ (ص ١٢٤٩) بِحَذْفٍ يَسِيرٍ.
(٤) وَقَالَ فِي تَاجِ العَرُوسِ (٣٩/ ٦١): " ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحِجْر: ٩١] قَالَ الرَّاغِبُ: جَعَلوا القُرْآنَ عِضِينَ؛ أَي: مُفَرَّقًا، فَقَالُوا: كِهَانَةٌ، وَقَالُوا: أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفُوهُ بِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَى (عِضِين) مَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البَقَرَة: ٨٥] خِلَافَ مَنْ قَالَ فِيهِ: ﴿هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ﴾ [البَقَرَة: ١١٨] ".
قُلْتُ: وَهُوَ صَحِيحٌ مِنَ الوَجْهَينِ هُنَا، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ فَرَّقَ فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَينَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَينَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النِّسَاء: ١٥٠ - ١٥١].
وَأَيضًا فَإِنَّهُم كَذَّبُوا النَّبِيَّ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ القُرْآنِ؛ فَهُوَ عَلَى المَعْنَى الثَّانِي أَيضًا صَحِيحٌ؛ أَي: مِنَ الكَذِبِ وَالبُهْتَانِ.
(٥) وَفِي لَفْظٍ لِلحَدِيثِ: ((أَتَدْرُونَ مَا العَضْهُ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: نَقْلُ الحَدِيثِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ لِيُفْسِدُوا بَينَهُمْ)). صَحِيحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٤٢٥) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٨٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>