للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا سِحْرًا أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ السِّحْرِ فِي التَّفرِيقِ بَينَ النَّاسِ، بَلْ قَدْ تَكُونُ أَشَدَّ مِنْ حَيثُ الضَّرَرِ، كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ (١): "يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالكذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ".

وَفِي الحَدِيثِ: ((لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ)) (٢) وَهُوَ النَّمَّامُ.

- قَولُهُ: ((إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا)) (٣): (مِنْ) هُنَا للتَّبْعِيضِ، وَالبَيَانُ عُمُومًا هُوَ عَلَى مَعْنَيِينِ:

١ - الإِفْهَامِ: وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ؛ خِلَافًا لِلبَهَائِمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرَّحْمَن: ١ - ٤] (٤).


(١) وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ حَافِظٌ، (ت ١٢٩ هـ)، وَالأَثَرُ أَورَدَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الفُرُوعِ (١٠/ ٢١١) عَنِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُمَا اللهُ.
(٢) البُخَارِيُّ (٦٠٥٦)، وَمُسْلِمٌ (١٠٥) عَنْ حُذَيفَةَ مَرْفُوعًا.
(٣) وَالحَدِيثُ بِتَمَامِهِ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ؛ قَالَ: جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللهِ قَيسُ بْنُ عَاصِمٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ التَّمِيمِيُّونَ، فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَنَا سَيِّدُ تَمِيمٍ، وَالمُطَاعُ فِيهِمْ، وَالمُجَابُ فِيهِمْ، أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ فَآخُذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ، وَهَذَا يَعْلَمُ ذَاكَ -يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الأَهْتَمِ-، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَشَدِيدُ العَارِضَةِ، مَانِعٌ لِجَانِبِهِ، مُطَاعٌ فِي نَادِيهِ. قَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي غَيرَ مَا قَالَ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَّا الحَسَدُ، قَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَحْسُدُكَ! فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَئِيمُ الخَالِ، حَدِيثُ المَالِ، أَحْمَقُ الوَالِدِ، مُضَيِّعٌ فِي العَشِيرَةِ. وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَقَدْ صَدَقْتُ فِيمَا قُلْتُ أَوَّلًا، وَمَا كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ آخِرًا، لَكِنِّي رَجُلٌ رَضِيتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتَ، وَغَضِبْتُ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتَ، وَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِي الأَمْرِينِ جَمِيعًا. فَقَالَ النَّبِيُّ : ((إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا؛ إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا)). مُسْتَدْرَكُ الحَاكِمِ (٦٥٦٨). وَفِي لَفْظٍ لِلحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَو أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ : ((إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً)). صَحِيحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٨٧٢). الصَّحِيحَةُ (١٧٣١).
(٤) وَمِنْهُ سُمِّيَتِ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً؛ لِأَنَّهَا مُبْهِمَةٌ عَمَّا تُرِيدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>