للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ نَسَبَ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى -الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيهَا إِلَّا هُوَ- إِلَى غَيرِهِ؛ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْرِكًا شِرْكًا أَصْغَر)، حَيثُ أَنَّ مَنْ نَسَبَ النِّعْمَةَ إِلَى النَّوءِ قِيلَ فِيهِ: (كَافِرٌ بِي)، وَهُوَ أَصْغَرُ لِأَنَّهُم لَمْ يَرْتَدُّوا بِذَلِكَ.

قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ المَجِيدِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "وَذَلِكَ أَنَّ القَائِلَ لِذَلِكَ نَسَبَ مَا هُوَ مِنْ فِعْلِ اللهِ تَعَالَى -الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيهِ غَيرُهُ- إِلَى خَلْقٍ مُسَخَّرٍ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَلَا قُدْرَةَ لهُ عَلَى شَيءٍ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ شِرْكًا أَصْغَرَ. وَاللهُ أَعْلَمُ" (١).

وَقَالَ أَيضًا : "إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ لِلنَّوءِ تَأْثِيرًا فِي إِنْزَالِ المَطَرِ فَهَذَا كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، وَالمُشْرِكُ كَافِرٌ. وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ نِعْمَةَ اللهِ إِلَى غَيرِهِ، وَلِأَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلِ النَّوءَ سَبَبًا لِإِنْزَالِ المَطَرِ فِيهِ، وَإِنِّمَا هُوَ فَضْلٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ يَحْبِسُهُ إِذَا شَاءَ وَيُنْزِلُهُ إِذَا شَاءَ" (٢).

- قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ يَعْنِي: وَتَجْعَلُونَ (رِزْقَكُم) بِمَعْنَى (شُكْرَكُم) أَنَّكُم تُكَذِّبُونَ، أَي: تُكَذِّبُونَ بَدَلَ الشُّكْرِ (٣).

وَالتَّكْذِيبُ يَشْمَلُ وَجْهَينِ: تَكْذِيبَ القُرْآنِ، وَهَذَا فِي سِيَاقِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾، وَالآخَرَ أَنَّهُم نَسَبُوا المَطَرَ إِلَى الأَنْوَاءِ؛ فَكَانَ تَكْذِيبًا


(١) فَتْحُ المَجِيدِ (ص ٣٢٤).
(٢) فَتْحُ المَجِيدِ (ص ٣٢٦).
(٣) وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (٢٣/ ١٥٣): "وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الهَيثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ مِنْ لُغَةِ أَزْدِ شَنْوءَةَ: مَا رَزَقَ فُلَانٌ؛ بِمَعْنَى: مَا شَكَرَ فُلَانٌ".
قُلْتُ: وَالهَيثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: مُؤَرِّخٌ، عَالِمٌ بِالأَدَبِ وَالنَّسَبِ، (ت ٢٠٧ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>