للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكُفَّارِ؛ أَنَّه إِذَا فَعَلَ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ -كَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ وَالصِّدْقِ وَالصَّدَقَةِ- أَنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا! وَذَلِكَ لِأَنَّه كَافِرٌ فِي أَصْلِهِ، بِخِلَافِ مَنْ سَبَقَ الكَلَامُ عَلَيهِ؛ فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ فِي أَصْلِهِ.

وَهَذَا الحَدِيثُ يَجْعَلُهُ أَهْلُ العِلْمِ مِنْ نُصُوصِ الوَعِيدِ الَّتِي يُمِرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ دُونَ الخَوضِ فِي تَفْسِيرِهَا، لَا لِعَدَمِ العِلْمِ بِمَعْنَاهَا وَمَآلِهَا! وَلَكِنْ كَي تَكُونَ أَوقَعَ فِي النَّفْسِ وَأَبْلغَ فِي الزَّجْرِ، وحَقِيقَةُ هَذَا الكُفْرِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِكَمَالِ التَّوحِيدِ الوَاجِبِ؛ حَيثُ يَأْثَمُ تَارِكُهُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ المِلَّةِ (١).

- قَولُهُ: ((مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ)) هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الغَالِبِ، لَا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ، وَعَلَيهِ فَمَا كَانَ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَعْنَاهُ فَهُوَ مِنْهُ (٢).

- قَولُهُ: ((دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ)) عَامٌّ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ الأَقْوَالِ المَذْمُومَةِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ نَدْبُ الميِّتِ، وَالدُّعَاءُ بِالوَيلِ وَالثُّبُورِ (٣)، وَهَذَا مِنَ السَّخَطِ بِاللِّسَانِ؛ فَهُوَ مُنَافٍ لِلصَّبْرِ، وَيَدْخُلُ فِي دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ أَيضًا التَّعَصُّبُ وَدَعْوَى التَّجَمُّعِ عَلَى غَيرِ الإِسْلَامِ (٤).


(١) قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (٢/ ٥٧): "وَفِيهِ أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: هُمَا مِنْ أَعمَالِ الكُفَّارِ وَأَخْلَاقِ الجَاهِلِيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنَّه يُؤَدِّي إِلَى الكُفْرِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّه كُفْرُ النِّعْمَةِ وَالإحْسَانِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ ذَلِكَ فِي المُسْتَحِلِّ".
(٢) قَالَ الشَّيخُ ابْنُ عُثَيمِين فِي كِتَابِهِ القَولُ المُفِيدُ (٢/ ١١٦): "وَمِثْلُهُ هَدْمُ البُيُوتِ، وَكَسْرُ الأَوَانِي، وَتَخْرِيبُ الطَّعَامِ، وَنَحْوُهُ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ المُصِيبَةِ".
(٣) كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَه (١٥٨٥) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (لَعَنَ الخَامِشَةَ وَجْهَهَا، وَالشَّاقَّةَ جَيبَهَا، وَالدَّاعِيَةَ بِالوَيلِ وَالثُّبُورِ). الصَّحِيحَةُ (٢١٤٧).
(٤) كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٤/ ١٨٣) -كِتَابِ المَنَاقِبِ؛ بَابِ مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ- عَنْ جَابِرٍ ؛
=

<<  <  ج: ص:  >  >>