للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُرْزَقُ الْحَاكِمُ وَأَمْثَالُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَتَنَازَعُوا فِي الرِّزْقِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]، فَهَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِ هَذَا؛ إذِ الشَّرِيعَةُ مَبْنَاهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، وَالْوَرَعُ تَرْجِيحُ خَيرِ الْخَيرَينِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا؛ وَدَفْعِ شَرِّ الشَّرَّينِ وَإِنْ حَصَلَ أَدْنَاهُمَا" (١).

وَأَمَّا أَخْذُ الجُعْلِ -لَا الأُجْرَة- عَلَى الرُّقْيَةِ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ، بِحَيثُ إِنَّهُ إِذَا شُفِيَ المَرِيضُ بِالرُّقْيَةِ؛ فَإِنَّ لِلرَّاقِي كَذَا وَكَذَا، لِمَا ثَبَتَ فِي قِصَّةِ رُقْيَةِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ لِسَيِّدِ القَومِ، وَفِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: ((وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟! اضْرِبُوا لِي مَعَكُم بِسَهْمٍ)) (٢).


(١) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٣٠/ ١٩٢).
(٢) وَالحَدِيثُ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ (٥١٢١) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ؛ فَأَبَوا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوا لَهُ بِكُلِّ شَيءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَو أَتَيتُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيءٌ، فَأَتَوهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ؛ فَسَعَينَا لَهُ بِكُلِّ شَيءٍ لا يَنْفَعُهُ شَيءٌ! فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَرَاقٍ، وَلَكِنْ؛ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا! فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ وَيَقْرَأُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوفَوهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ؛ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: ((وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟! أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ)).
وَقَولُهُ: ((مَا بِهِ قَلَبَةٌ)): أَي: أَلَمٌ وَعِلَّةٌ. النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثِيرِ (٤/ ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>