للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّ الحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فَرْضٌ، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَى شَهَادَةِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ"، وَإِنَّ تَرْكَ الحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ؛ وَتَحْكِيمَ غَيرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي شُؤُونِ المُتَخَاصِمِينَ؛ وَتَنْزِيَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ القُرْآنِ الكَرِيمِ شِرْكٌ أَكْبَرُ وَكُفْرٌ مُخْرِجٌ عَنِ مِلَّةِ الإِسْلَامِ.

- الحُكْمُ للهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأَعْرَاف: ٥٤]، فَالأَمْرُ لَهُ وَحْدَهُ؛ كَمَا أَنَّهُ هُوَ الخَالِقُ وَحْدَهُ.

وَإِنَّ تَرْكَ التَّحَاكُمِ إِلَى شَرْعِهِ تَعَالَى رَغْبَةً عَنْهُ: مُنَافٍ لِأَصلِ التَّوحِيدِ؛ لِأَنَّه فَقَدَ بَعْضَ شُرُوطِ شَهَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ أَلَا وَهِيَ المَحَبَّةُ وَالانْقِيَادُ وَالقَبُولُ.

وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ التَّحَاكُمَ إِلَى شَرْعِهِ تَعَالَى جَهَالَةً مِنْهُ وَسَفَهًا وَإِيثَارًا لِهَوَى النَّفْسِ وَطَاعَةً لِلشَّيطَانِ -دُونَ جُحُودٍ لِذَلِكَ- معَ الاعْتِرَافِ بَالخَطَأِ وَالتَّقْصِيرِ فِي جَنَابِهِ تَعَالَى، وَمَعَ الإِقْرَارِ بِصِحَّةِ التَّنْزِيلِ وَصَلَاحِهِ لِكُلِّ عَصْرٍ؛ فَهُوَ تَارِكٌ لِكَمَالِ التَّوحِيدِ الوَاجبِ -الَّذِي يَأْثَمُ تَارِكُهُ-، وَهُوَ تَحْتَ المَشِيئَةِ. وَقَدْ سَبَقَ فِي البَابِ المَاضِي وَفِي بَابِ (تَفْسِيرِ التَّوحِيدِ) تَفْصِيلُ هَذِهِ المَسْأَلَةِ. وَالحَمْدُ للهِ (١).


(١) قَالَ فِي فَتْحِ المَجِيدِ (ص ٣٩٧): "فَإِنْ كَانَ الَّذِي تُحِبُّهُ وَتَمِيلُ إِلَيهِ وَتَعْمَلُ بِهِ تَابِعًا لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَى مَا يُخَالِفُهُ- فَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ الإِيمَانِ المُطْلَقِ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَو فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ أَو أَكْثَرِهَا؛ انْتَفَى عَنْهُ مِنَ الإِيمَانِ كَمَالُهُ الوَاجِبُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي -حِينَ يَزْنِي- وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) يَعْنِي: أَنَّهُ بِالمَعْصِيَةِ يَنْتَفِي عَنْهُ كَمَالُ الإِيمَانِ الوَاجِبِ، وَيَنْزِلُ عَنْهُ فِي دَرَجَةِ الإِسْلَامِ وَيَنْقُصُ إِيمَانُهُ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَيهِ الإِيمَانُ إِلَّا بِقَيدِ المَعْصِيَةِ أَوِ الفُسُوقِ، فَيُقَالُ: مُؤْمِنٌ عَاصٍ، أَو يُقَالُ: مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ؛ فَاسِقٌ بِمَعْصِيَتِهِ، فَيَكُونُ مَعَهُ مُطْلَقُ الإِيمَانِ الَّذِي لَا يَصِحَّ إِسْلَامُهُ إِلَّا بِهِ".
قُلْتُ: وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ السَّابِقِ رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٢٤٧٥)، وَمُسْلِمٌ (٥٧) مَرْفُوعًا.
=

<<  <  ج: ص:  >  >>