للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- حُكْمُ اللهِ تَعَالَى أَنْوَاعٌ:

١ - قَدَرِيٌّ (كَونِيٌّ)، كَمَا فِي قَولِ أَخِي يُوسُفَ: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يُوسُف: ٨٠].

٢ - شَرْعِيٌّ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشُّورَى: ١٠].

٣ - جَزَائِيٌّ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَينَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [البَقَرَة: ١١٣].

- زَعْمُ المُنَافِقِينَ هُنَا هُوَ قَولُهُم الكَذِبَ (١)، لِأَنَّه لَا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ بِالقُرْآنِ مَعَ إِرَادَةِ التَّحَاكُمِ إِلَى غَيرِهِ.

وَالإِرَادَةُ هُنَا ضَابِطٌ مُهِمٌّ لِكَونِ فَاعِلِهِ كَافِرًا كُفْرًا أَكْبَرَ، فَهو تَارِكٌ لِلحَقِّ مُقْبِلٌ عَلَى البَاطِلِ، وَلَو كَانَ صَادِقًا فِي إِيمَانِهِ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مَيلٌ لِغَيرِ شَرْعِ اللهِ تَعَالَى (٢) (٣).


=
وَقَالَ الشَّيخُ الفَوزَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ إِعَانَةُ المُسْتَفِيدِ (٢/ ١٨٧): "مَن اخْتارَ حُكْمَ الطَّاغُوتِ عَلَى حُكْمِ اللهِ أَو سَوَّى بَينَهُمَا وَقَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، أَو قَالَ: تَحْكِيمُ الطَّاغُوتِ جَائِزٌ، أَو حَكَمَ بِالشَّرِيعَةِ فِي بَعْضِ الأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ؛ فَهَذَا كَافِرٌ بِاللهِ -كَالَّذِينَ يُحَكِّمُونَ الشَّرِيعَةَ فِي الأَحْوَالِ الشَّخْصِيَّةِ فَقَط-.
أَمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ لِهَوىً فِي نَفْسِهِ وَهُوَ يَعْتَرِفُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ حُكْمَ اللهِ هُوَ الحَقُّ، وَحُكْمَ غَيرِهِ بَاطِلٌ، وَيَعْتَرِفُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَمُذْنِبٌ؛ فَهَذَا يَكْفُرُ كُفْرًا أَصْغَرَ لَا يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ".
(١) قَالَ ابْنُ دُرَيدٍ فِي كِتَابِهِ جَمْهَرَةُ اللُّغَةِ (٢/ ٨١٦): "وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ الزَّعْمُ عَلَى البَاطِلِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّنْزِيلِ ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا﴾ [التَّغَابُن: ٧] ".
(٢) كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى فِي نَفْسِ الآيَاتِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
(٣) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (٥٠) -بَعْدَ حَدِيثِ البَابِ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)).

<<  <  ج: ص:  >  >>