للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالطَّاغُوتِ هَاهُنَا" (١).

- سَبَبُ نُزُولِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النِّسَاء: ٦٥] هُوَ مَا فِي الصَّحِيحَينِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ : أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيرَ عِنْدَ النَّبِيِّ فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ (٢) الَّتِي يَسْقَونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّح المَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لِلزُّبَيرِ: ((اسْقِ يَا زُبَيرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ) فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ثُمَّ قَالَ: ((اسْقِ يَا زُبَيرُ، ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ)) (٣)، فَقَالَ الزُّبَيرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ﴾ (٤) (٥).

- قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا


(١) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (٢/ ٣٤٦).
(٢) (الشِّرَاجُ) بِكَسْرِ الشِّينِ: جَمْعُ شَرجَة؛ وَهِيَ مَسِيلُ المَاءِ.
(٣) (الجَدْرُ): الحَائِطُ؛ وَالمَعْنَى أَنْ يَحْبِسَ المَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى ارْتِفَاعِ الحَاجِزِ بَينَ الحِيَاضِ -وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ السُّقْيَا-، وَبَعْضُهُم يَرْوِي (الجَذْر): وَالمَعْنَى أَنْ يَصِلَ إِلَى تَمَامِ الشُّرْبِ.
(٤) البُخَارِيُّ (٢٣٥٩)، وَمُسْلِمٌ (٢٣٥٧).
(٥) قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ فِي كِتَابِهِ الصَّارِمُ المَسْلُولُ (ص ٥٢٨): "وَمِنْ هَذَا البَابِ قَولُ القَائِلِ: (إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ)!! وَقَولُ الآخَرِ: (اعْدِلْ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ)!! وَقَولُ ذَلِكَ الأَنْصَارِيِّ: (أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ)!! فَإِنَّ هَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ؛ حَيثُ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ إِنَّمَا حَكَمَ لِلزُّبَيرِ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِهِ! وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةِ، وَأَقْسَمَ أَنَّهُم لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِم حَرَجًا مِنْ حُكْمِهِ، وَإِنَّمَا عَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ كَمَا عَفَا عَنِ الَّذِي قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ)؛ وَعَنِ الَّذِي قَالَ: (اعْدِلْ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>