للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ : "وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أنْكَرَ عَلَى مَنْ اسْتَنْكَرَ شَيئًا مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ؛ وَزَعَمَ أَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَمَّا تَدُلُّ عَلَيهِ! فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيه؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ ابْنَ عبَّاسٍ بحَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ: ((تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ) وَفِيهِ: ((فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ)) أَوْ قَالَ: ((قَدَمَهُ)) فِيهَا (١)، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ فَانْتَفَضَ، فَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: (مَا فَرَقُ هَؤْلَاءِ؟! يَجِدُونَ رِقَّةً عِنْدَ مُحْكَمِهِ، وَيَهلَكُونَ عندَ مُتَشَابِهِهِ). وَخَرَّجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوِيه فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلَو كَانَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ تَأْوِيلٌ لَذَكَرَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَسَعْهُ كِتْمَانُهُ" (٢) (٣).

- المُحْكَمُ: هُوَ مَا يُمَيِّزُ الحَقِيقَةَ المَقْصُودَةَ عَنْ غَيرِهَا. وَالمُتشَابِهُ: مَا احْتَمَل مَعنَيَينِ؛ فَيُشبِهُ هَذَا وَيُشبِهُ هَذَا.

وَحُكْمُهُ هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عِمْرَان: ٧].


(١) وَالحَدِيثُ بِتَمَامِهِ مَرْفُوعًا: ((تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟! قَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا. فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ؛ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ -وَلَا يَظْلِمُ اللهُ ﷿ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا- وَأَمَّا الجَنَّةُ؛ فَإِنَّ اللهَ ﷿ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٨٥٠)، وَمُسْلِمٌ (٢٨٤٦).
(٢) قُلْتُ: وَقَصْدُهُ إِجْرَاءُ النُّصُوصِ عَلَى ظَاهِرِهَا دُونَ التَّعَرُّضِ لِتَفْسِيرِهَا؛ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
(٣) (فَتْحُ البَارِي) لِابْنِ رَجَب (٧/ ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>