للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالفِعْلِيَّةُ: هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى؛ إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْهَا، كَالاسْتِوَاءِ عَلَى العَرْشِ، وَالنُّزُولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.

وَقَدْ تَكُونُ الصِّفَةُ ذَاتِيَّةً فِعْلِيَّةً (١) بِاعْتِبَارَينِ، كَالكَلَامِ؛ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَزْلْ وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا، وَبِاعْتِبَارِ آحَادِ الكَلَامِ صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ، لِأَنَّ الكَلَامَ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ مَتَى شَاءَ بِمَا شَاءَ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يَس: ٨٢]، وَكُلُّ صِفَةٍ تَعَلَّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِحِكْمَتِهِ، وَقَدْ تَكُونُ الحِكْمَةُ مَعْلُومَةً لَنَا وَقَدْ نَعْجَزُ عَنْ إِدْرَاكِهَا، لَكِنَّنَا نَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَشَاءُ شَيئًا إِلَّا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلحِكْمَةِ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيهِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإِنْسَان: ٣٠].

٦ - يَلْزَمُ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ التَّخَلِّي عَنْ مَحْذُورَينِ عَظِيمَينِ هُمَا: التَّمْثِيلُ، وَالتَّكْيِيفُ.

فَالتَّمْثِيلُ: هُوَ اعْتِقَادُ المُثْبِتِ أَنَّ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى مُمَاثِلٌ لِصِفَاتِ المَخْلُوقِينَ! وَهَذَا اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ بِدَلِيلِ السَّمْعِ وَالعَقْلِ.

أَمَّا السَّمْعُ: فَمِنْهُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ﴾ [الشُّورَى: ١١]، وَقَولُهُ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مَرْيَم: ٥٦]، وَقَولُهُ: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإِخْلَاص: ٤].

وَأَمَّا العَقْلُ فَمِنْ وُجُوهٍ؛ مِنْهَا: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ بَينَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ


(١) وَتُسَمَّى أَيضًا الصِّفَاتِ الطَارِئَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>