للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا كَانَتِ الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ الَّتِي أَخْبَرَ اللهُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِنَ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

أَمَّا الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ فَلَمْ تُذْكَرْ غَالِبًا إِلَّا فِي الأَحْوَالِ التَّالِيَةِ:

الأُولَى: بَيَانُ عُمُومِ كَمَالِهِ تَعَالَى، كَمَا فِي قَولِهِ: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ﴾ [الشُّورَى: ١١]، وَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإِخْلَاص: ٤].

الثَّانِيَةُ: نَفْيُ مَا ادَّعَاهُ فِي حَقِّهِ الكَاذِبُونَ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مَرْيَم: ٩١ - ٩٢].

الثَّالِثَةُ: دَفْعُ تَوَهُّمِ نَقْصٍ مِنْ كَمَالِ اللهِ تَعَالَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرٍ مُعَيَّنٍ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الدُّخَان: ٣٨]، وَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق: ٣٨] (١).

٥ - الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَينِ، ذَاتِيَّةٍ وَفِعْلِيَّةٍ:

فَالذَّاتِيَّةُ: هِيَ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُتَّصِفًا بِهَا، كَالعِلْمِ وَالقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالعِزَّةِ وَالحِكْمَةِ وَالعُلُوِّ وَالعَظَمَةِ (٢).


(١) قُلْتُ: وَالدَّلِيلُ هَذَا صَالِحٌ لِلحَالَينِ الأَخِيرَينِ، كَمَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ (٧/ ٤٠٩) : "وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَتِ اليَهُودُ -عَلَيهِم لَعَائِنُ اللهِ-: خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَرَاحَ فِي اليَومِ السَّابِعِ -وَهُوَ يَومُ السَّبْتِ-! وَهُم يُسَمُّونَهُ يَومَ الرَّاحَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى تَكْذِيبَهُم فِيمَا قَالُوهُ".
(٢) قُلْتُ: وَهُوَ تَعَالَى مُتّصِفٌ بِهَا دَومًا؛ فَهِيَ غَيرُ مُرْتَبِطَةٍ بِالمَشِيئَةِ كَالصِّفَاتِ الفِعْلِيَّةِ.
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ تُقْسَمُ أَيضًا إِلَى صِفَاتٍ مَعْنَوِيَّةٍ: كَالعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَالحِكْمَةِ وَالسَّمْعِ وَالبَصَرِ، وَإِلَى صِفَاٍت خَبَرِيَّةٍ: كَالوَجْهِ وَاليَدَينِ وَالعَينَينِ، وَهَذِهِ الخَبَرِيَّةُ مُسَمَّاهَا بِالنِّسْبَةِ لَنَا أَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ.
"وَلَا نَقُولُ: أَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ! بَلْ نَتَحَاشَا هَذَا اللَّفْظَ، لَكِنَّ مُسَمَّاهَا لَنَا أَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ، لِأَنَّ الجُزْءَ وَالبَعْضَ مَا جَازَ انْفِصَالُهُ عَنِ الكُلِّ، فَالرَّبُّ ﷿ لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ شَيئًا مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ -كَاليَدِ- أَنْ تَزُولَ أَبَدًا، لِأَنَّهُ مَوصُوفٌ بِهَا أَزَلًا وَأَبَدًا، وَلِهَذَا لَا نَقُولُ: إِنَّهُ أَبْعَاضٌ وَأَجْزَاءٌ". شَرْحُ الوَاسِطِيةِ لِلْعُثَيمِين (١/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>