للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَحْوِ ذَلِكَ، كَالحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ قَولُ الرَّجُلِ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ))! رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١).

قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ فِي مَجْمُوعِ الفَتَاوَى (٢): "هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا -وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي- أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ؛ إِلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيهِ الحُجَّةُ الرِّسَالِيَّةُ الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً وَفَاسِقًا أُخْرَى وَعَاصِيًا أُخْرَى. وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ خَطَأَهَا، وَذَلِكَ يَعُمُّ الخَطَأَ فِي المَسَائِلِ الخَبَرِيَّةِ القَولِيَّةِ (٣) وَالمَسَائِلِ العَمَلِيَّةِ، وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَتَنَازَعُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ المَسَائِلِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ لَا بِكُفْرِ وَلَا بِفِسْقِ وَلَا مَعْصِيَةٍ".

وَقَالَ أَيضًا : "وَكُنْت أُبَيِّنُ لَهُمْ أَن َّمَا نُقِلَ لَهُمْ عَنِ السَّلَفِ وَالأَئِمَّةِ مِنْ إطْلَاقِ القَولِ بِتَكْفِيرِ مَنْ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا؛ فَهُوَ أَيضًا حَقٌّ، لَكِنْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَينَ الإِطْلَاقِ وَالتَّعْيِينِ.

وَهَذِهِ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ تَنَازَعَتْ فِيهَا الأُمَّةُ مِنْ مَسَائِلِ الأُصُولِ الكِبَارِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ


(١) وَالحَدِيثُ بِتَمَامِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ -وَعَلَيهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ- فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَينَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ)). صَحِيحُ مُسْلِمٍ (٢٧٤٧).
(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٣/ ٢٢٩).
(٣) أَي: الاعْتِقَادِيَّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>