للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَعِيدِ؛ فَإِنَّ نُصُوصَ القُرْآنِ فِي الوَعِيدِ مُطْلَقَةٌ كَقَولِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ الآيَةَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا وَرَدَ: (مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا)؛ فَإِنَّ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ عَامَّةٌ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَولِ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: (مَنْ قَالَ كَذَا؛ فَهُوَ كَذَا)، ثُمَّ الشَّخْصُ المُعَيَّنُ يَلْتَغِي حُكْمُ الوَعِيدِ فِيهِ بِتَوبَةٍ أَو حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَو مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَو شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ، وَالتَّكْفِيرُ هُوَ مِنَ الوَعِيدِ، فَإِنَّهُ -وَإِنْ كَانَ القَولُ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ- لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامِ أَو نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ مَا يَجْحَدُهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيهِ الحُجَّةُ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَا يَسْمَعُ تِلْكَ النُّصُوصَ، أَو سَمِعَهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ، أَو عَارَضَهَا عِنْدَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ أَوجَبَ تَأْوِيلَهَا -وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا-، وَكُنْت دَائِمًا أَذْكُرُ الحَدِيثَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَينِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: ((إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي اليَمِّ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ. فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ اللهُ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ)). فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ! وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ.

وَالمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ؛ الحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَولَى بِالمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا".

وَبِهَذَا عُلِمَ الفَرْقُ بَينَ القَولِ وَالقَائِلِ، وَبَينَ الفِعْلِ وَالفَاعِلِ، فَلَيسَ كُلُّ قَولٍ أَو فِعْلٍ -يَكُون فِسْقًا أَو كُفْرًا يُحْكَمُ عَلَى قَائِلِهِ أَو فَاعِلِهِ بِذَلِكَ، لَكِنْ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيرِ الإِسْلَامِ أُعْطِيَ أَحْكَامَ الكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا، ومَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الحَقُّ فَأَصَرَّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ تَبَعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>