للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَكَانَ لَهُ مِنْهَا ابْنَانِ-، وَكَانَتْ تُكْثِرُ الوَقِيعَةَ بِرَسُولِ اللهِ وَتَسُبُّهُ، فَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيلَةٍ، فَذَكَرَتِ النَّبِيَّ ؛ فَوَقَعَتْ فِيهِ، قَالَ: فَلَمْ أَصْبِرْ أَنْ قُمْتُ إِلَى المِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيهِ فَقَتَلْتُهَا؛ فَأَصْبَحَتْ قَتِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ فَجَمَعَ النَّاسَ وَقَالَ: ((أَنْشُدُ اللهَ رَجُلًا لِي عَلَيهِ حَقٌّ فَعَلَ مَا فَعَلَ؛ إِلَّا قَامَ) فَأَقْبَلَ الأَعْمَى يَتَدَلْدَلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا صَاحِبُهَا! كَانَتْ أُمَّ وَلَدِي، وَكَانَتْ بِي لَطِيفَةً رَفِيقَةً، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَينِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُكْثِرُ الوَقِيعَةَ فِيكَ، وَتَشْتُمُكَ، فَأَنْهَاهَا؛ فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا؛ فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتِ البَارِحَةَ ذَكَرَتْكَ؛ فَوَقَعَتْ فِيكَ، فَقُمْتُ إِلَى المِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا؛ فَاتَّكَأْتُ عَلَيهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: ((أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدْرٌ)) (١).

- ذَكَرُوا فِي التَّفَاسِيرِ أَنَّهُم كَانُوا ثَلَاثَةَ أَشْخَاصٍ، اثْنَانِ مِنْهُم يَسْتَهْزِؤُونَ وَالثَّالِثُ كَانَ يَضْحَكُ وَلَا يَخُوضُ، وَكَانَ يَمْشِي مُجَانِبًا لَهُم وَيُنْكِرُ بَعضَ مَا يَسْمَعُ -وَهوَ الَّذِي عُفيَ عَنْهُ-، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذهِ الآيةُ تَابَ مِنْ نِفَاقِهِ.

فَهَذَا الَّذِي حَضَرَ هُوَ مِثْلُ الَّذِي اسْتَهْزَأَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النِّسَاء: ١٤٠].


(١) صَحِيحٌ. النَّسَائِيُّ (٤٠٧٠). صَحِيحُ النَّسَائِيِّ (٤٠٧٠).
وَ (المِغْوَلُ) -بِالغَينِ المُعْجَمَةِ-: سَيفٌ قَصِيرٌ يَشْتَمِلُ بِهِ الرَّجُلُ تَحتَ ثِيَابِهِ فَيُغَطِّيهِ، وَقِيلَ: حَدِيدَةٌ لَهَا حَدٌّ مَاضٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: (مِعْوَلٌ) وَهِيَ آلَةٌ حَدِيدِيَّةٌ تُسْتَعْمَلُ للحَفْرِ فِي الأَرْضِ أَوِ الجَبَلِ.
وَ (دَمَهَا هَدْرٌ): الهَدْرُ: الَّذِي لَا يُضْمَنُ بِقِصَاصٍ وِلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ.
وَ (يَتَدَلْدَلُ): أَي: يَضْطَرِبُ فِي مَشْيِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>