للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوجُهٍ -بِحَولِ اللهِ وَقُوَّتِهِ-:

١ - أَنَّ دَعْوَى (أَنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِالصَّالِحِينَ سَبَبٌ لِإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى) كَذِبٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَإِبْطَالٌ لِلتَّوحِيدِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلِ الاسْتِغَاثَةَ بِخَلْقِهِ سَبَبًا لِلإِجَابَةِ! بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلمَنْعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يُونُس: ١٠٦].

وَتَأَمَّلْ كَيفَ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الاسْتِغَاثَةَ بِهِ فِي بَدْرٍ سَبَبًا لِحُصُولِ النَّصْرِ -رُغْمَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ مَعَهُم-! قَالَ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأَنْفَال: ٩].

وَتَأَمَّلْ حِكْمَةَ اللهِ تَعَالَى كَيفَ خَلَّا بَينَ النَّبِيِّ وَبَينَ أَعْدَائِهِ فِي أُحُدٍ حَتَّى شَجُّوهُ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ! لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مِنَ البَشَرِ؛ يَطْرَأُ عَلَيهِ مَا يَطْرَأُ عَلَى البَشَرِ مِنَ الأَسْقَامِ وَالأَوجَاعِ، وَلِيَبْطُلَ بِذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِغَيرِ اللهِ تَعَالَى وَلَو كَانَ سَيِّدَ البَشَرِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ (١).

وَإِنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِالمَخْلُوقِ مُنَاقِضَةٌ لِلعُبُودِيَّةِ الخَالِصَةِ للهِ تَعَالَى، حَيثُ يُجْعَلُ الذُّلُّ وَالخُضُوعُ وَالإِنَابَةُ وَالتَّعَلُّقُ لِغَيرِ اللهِ تَعَالَى! فَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ البَاطِلِ، وَإنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى العِبَادِ جَمِيعِهِم أَنْ يَعْتَمِدُوا عَلَى خَالِقِ الأَسْبَابِ، وَيَرْغَبُوا إِلَيهِ، وَيَسْتَعِينُوا بِهِ، وَيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (٢).


(١) قَالَ القَاضِي عِيَاض : "وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُم مِنَ البَشَرِ؛ تُصِيبُهُم مِحَنُ الدُّنْيَا، وَيَطْرَأُ عَلَى أَجْسَامِهِم مَا يَطْرَأُ". إِكْمَالُ المُعْلِمِ شَرْحُ مُسْلِمٍ (٦/ ٨٤).
(٢) وَهَذَا لَا يَعْنِي عَدَمَ جَوَازِ الاسْتِغَاثَةِ بِالعَبْدِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيهِ العَبْدُ! وَلَكِنَّ المَحْذُورَ هُوَ فِي الاسْتِغَاثَةِ بِمَا كَانَ للهِ تَعَالَى خَارِجًا عَنْ قُدْرَةِ البَشَرِ أَصْلًا، وَتَأَمَّلْ قَولَ اللهِ تَعَالَى عَنِ المُشْرِكِينَ: ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشُّعَرَاء: ٩٦ - ٩٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>