للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَأَمَّلْ تَفْرِيقَ النَّبِيِّ بَينَ مَا فِي يَدِهِ وَبَينَ مَا عِنْدَ اللهِ عِنْدَمَا قَالَ لابْنَتِهِ: ((يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ! سَلِينِي بِمَا شِئْتِ؛ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيئًا)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ (١).

وَقَالَ تَعَالَى - عَنْ يَومِ القِيَامَةِ أَيضًا -: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانْفِطَار: ١٩] وَذَلِكَ لِتَفَرُّدِهِ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ اليَومِ بِالتَّصَرُّفِ وَالحُكْمِ وَالتَّدْبِيرِ، فَلَيسَ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِي ذَلِكَ اليَومِ تَصَرُّفٌ وَلَا تَدْبِيرٌ وَلَا أَمْرٌ وَلَا نَهيٌ، بِخِلَافِ الحَالِ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ مَلَّكَ أَهْلَهَا مَا خَوَّلَهُم فِيهَا فَهُم يَتَصَرَّفُونَ فِيمَا أَعْطَاهُم بِحَسْبِ اخْتِيَارِهِم -مَعَ كَونِ المِلْكِ وَالأَمْرِ فِي الحَقِيقَةِ للهِ وَحْدَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ-.

٢ - أَمَّا دَعْوَى أَنَّ هَذَا مِنَ التَّوَسُّلِ! فَهَذَا خَطَأٌ كَبِيرٌ.

لِأَنَّ التَّوَسُّلَ مَعْنَاهُ التَّقَرُّبَ.

قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ: "الوَسِيلةُ: المَنْزِلَةُ عِنْدَ المَلِكِ، وَالوَسِيلةُ: الدَّرَجَةُ، وَالوَسِيلَةُ: القُرْبَةُ، وَوَسَّلَ فُلَانٌ إِلَى اللهِ وَسِيلَةً: إِذَا عَمِلَ عَمَلًا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ [الإِسْرَاء: ٥٧]، وَفِي حَدِيثِ الأَذَانِ: ((اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ)) هيَ فِي الأَصْلِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيءِ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ، وَالمُرَادُ بِهِ فِي الحَدِيثِ: القُرْبُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ


(١) مُسْلِمٌ (٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>