للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَومَ القِيَامَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ" (١).

وَمَفَادُ الآيَةِ هُوَ اتِّخَاذُ الوَسَائِلِ المُؤَدِيَّةِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا بِخِلَافِ دُعَاءِ غَيرِ اللهِ تَعَالى؛ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الأَسْبَابِ المَانِعَةِ لِرِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى أَصْلًا! (٢)

وَالتَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى حَقِيقٌ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَحَبَّةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَرَغْبَةً إِلَيهِ وَخَوفًا مِنْهُ وَتَوَكُّلًا عَلَيهِ وَأَخْذًا بِأَسْبَابِ كُلِّ ذَلِكَ، خِلَافًا لِمَا يَزْعُمُونَ مِنْ جَعْلِ دُعَاءِ غَيرِ اللهِ تَوَسُّلًا؛ فَيَصْرِفُونَ المَحَبَّةَ وَالخَشْيَةَ وَالإِنَابَةَ وَالرَّجَاءَ إِلَى غَيرِ اللهِ تَعَالَى! وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ.


(١) لِسَانُ العَرَبِ (١١/ ٧٢٤).
(٢) وَأَمَّا قَولُ بَعْضِ مَنِ افْتَرَى عَلَى البَغَويِّ فِي التَّفْسِيرِ عِنْدَ قَولِهِ: (يَنْظُرُونَ أَيُّهُم أَقْرَبُ إِلَى اللهِ؛ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهِ) حَيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالأَشْخَاصِ، فَهُوَ افْتِرَاءٌ عَلَيهِ ، وَانْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ حَيثُ تَجِدُهُ عَنَى التَّوَسُّلَ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَلَيسِ بِالأَشْخَاصِ الصَّالِحِينَ!
قَالَ فِي التَّفْسِيرِ (٥/ ١٠٥): "وَقَولُهُ: ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ مَعْنَاهُ: يَنْظُرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى اللهِ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيُّهُم أَقْرَبُ يَبْتَغِي الوَسِيلَةَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيهِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ".
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيرِ (٣/ ١٠٣) -عِنْدَ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾ -: "قَالَ سُفْيَانُ الثَّورِيُّ: عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَي: القُرْبَةُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدُ وَأَبُو وَائِلٍ وَالحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيدٍ وَغَيرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَي: تَقَرَّبُوا إِلَيهِ بِطَاعَتِهِ وَالعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ، وَقَرَأَ ابْنُ زَيدٍ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةُ لَا خِلَاف بَينَ المُفَسِّرِينَ فِيهِ".
قُلْتُ: وَتَأَمَّلْ تَصْرِيحَ الحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ بِأَنَّ هَذَا هُوَ اتِّفَاقُ المُفَسِّرِينَ عَلَى مَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (١٠/ ٢٩١): "قَالَ ابْنُ زَيدٍ فِي قَولِهِ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾ قَالَ: المَحَبَّةَ، تَحَبَّبُوا إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإِسْرَاءُ: ٥٧]).

<<  <  ج: ص:  >  >>