للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - مَعْنَى الوَسِيلَةِ فِي القُرْآنِ:

وَرَدَتْ لَفْظَةُ -الوَسِيلَةِ- فِي مَوضِعَينِ، وَهُمَا:

قَولُهُ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المَائِدَة: ٣٥]، وَقَولُهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإِسْرَاء: ٥٧].

فَأَمَّا الآيَةُ الأُولَى؛ فَقَد قَالَ إِمَامُ المُفَسِّرينَ الحَافِظُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تًفْسِيرِهَا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَخْبَرَهُم وَوَعَدَ مِنَ الثَّوَابِ وَأَوعَدَ مِنَ العِقَابِ؛ ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ يَقُولُ: أَجِيبُوا اللهَ فِيمَا أَمَرَكُم وَنَهَاكُم بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ. ﴿وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾ يَقُولُ: وَاطْلُبُوا القُرْبَةَ إِلَيهِ بِالعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ" (١).


=
يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ [الإِسْرَاء: ٥٧]، وَفِي حَدِيثِ الأَذَانِ: ((اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ)) هيَ فِي الأَصْلِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيءِ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ، وَالمُرَادُ بِهِ فِي الحَدِيثِ: القُرْبُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ يَومَ القِيَامَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ".
وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ تَسْمِيَةُ أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الجَنَّةِ بِهَا، وَهُوَ قَولُهُ : ((إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ؛ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٣٨٤) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو.
(١) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ (١٠/ ٢٨٩).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ: " ﴿وَابْتَغُوا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾ قَالَ سُفْيَانُ الثَّورِيُّ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَي القُرْبَةَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدُ وَأَبُو وَائِلٍ وَالحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيدٍ وَغَيرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَي: تَقَرَّبُوا إِلَيهِ بِطَاعَتِهِ وَالعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ، وَقَرَأَ ابْنُ زَيدٍ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةُ لَا خِلَافَ بَينَ المُفَسِّرِينَ فِيهِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَيهِ قَولَ الشَّاعِرِ:
إِذَا غَفَلَ الوَاشُونَ عُدْنَا لِوصْلنَا … وَعَادَ التَّصَافِي بَينَنَا وَالوَسَائِلُ
وَالوَسِيلَة: هِيَ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى تَحْصِيلِ المَقْصُودِ، وَالوَسِيلَةُ أَيضًا: عَلَمٌ عَلَى أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الجَنَّةِ؛ وَهِيَ مَنْزِلَةُ رَسُولِ اللهِ وَدَارُهُ فِي الجَنَّةِ، وَهِيَ أَقْرَبُ أَمْكِنَةِ الجَنَّةِ إِلَى العَرْشِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>