للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ فَقَد بَيَّنَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ مُنَاسَبَةَ نُزُولِهَا الَّتِي تُوَضِّحُ مَعْنَاهَا؛ فَقَالَ: (نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ العَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ؛ فَأَسْلَمَ الجِنِّيُّونَ -وَالإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُم لَا يَشْعُرُونَ-) (١).

وَهيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ المُرَادَ بِالوَسِيلَةِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿يَبْتَغُونَ﴾ أَي: يَطْلُبُونَ مَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.

٣ - الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَحْدَهَا هِيَ الوَسَائِلُ المُقَرِّبَةُ إِلَى اللهِ:

قَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ العَمَلَ حَتَّى يَكُونَ صَالِحًا مَقْبُولًا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَوَفَّرَ فِيهِ أَمْرَانِ هَامَّانِ عَظِيمَانِ، أَوَّلُهُمَا: أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ قَد قَصَدَ بِهَ وَجْهَ اللهِ ﷿، وَثَانِيهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا شَرَعَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، أَو


(١) البُخَارِيُّ (٤٧١٤).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ (٨/ ٣٩٧): "اسْتَمَرَّ الإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ عَلَى عِبَادَةِ الجِنِّ -وَالجِنُّ لَا يَرْضَونَ بِذَلِكَ لِكَونِهِمْ أَسْلَمُوا-، وَهُمُ الَّذِينَ صَارُوا يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ فَزَادَ فِيهِ: (وَالإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ) وَهَذَا هُوَ المُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>