للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنْ يَكُونَ المُسْلِمُ فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ، أَوْ تَحُلُّ بِهِ مُصِيبَةٌ كَبِيرَةٌ -وَيَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ التَّفْرِيطَ فِي جَنْبِ اللهِ ؛ فَيَأْخُذَ بِسَبَبٍ قَوِيٍّ إِلَى اللهِ؛ فَيَذْهَبَ إِلَى رَجُلٍ -يَعْتَقِدُ فِيهِ الصَّلَاحَ وَالتَّقْوَى أَوِ الفَضْلَ وَالعِلْمَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ-؛ فَيَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ رَبَّهُ لِيُفَرِّجَ عَنْهُ كَرْبَهُ، وَيُزِيلَ عَنْهُ هَمَّهُ.

وَقَد وَرَدَتْ أَمْثِلَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ، كَمَا وَقَعَتْ نَمَاذِجُ مِنْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيهِم، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَيثُ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ، فَبَينَا النَّبِيُّ يَخْطُبُ فِي يَومِ جُمُعَةٍ؛ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ هَلَكَ المَالُ، وَجَاعَ العِيَالُ! فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيهِ -وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً- فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ . فَمُطِرْنَا يَومَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الغَدِ وَبَعْدَ الغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ -أَو قَالَ: غَيرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ تَهَدَّمَ البِنَاءُ، وَغَرِقَ المَالُ! فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيهِ فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ حَوَالَينَا وَلَا عَلَينَا)) فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتِ المَدِينَةُ مِثْلَ الجَوبَةِ، وَسَالَ الوَادِي -قَنَاةُ- شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالجَودِ (١).

وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَيضًا: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ كَانَ


(١) البُخَارِيُّ (٩٣٣)، وَمُسْلِمٌ (٨٩٧).
وَ (القَزَعَةُ): قِطْعَةٌ مِنَ السَّحَابِ الصِّغَارِ المُتَفَرِّقِ.
وَ (الجَوبَةُ): المَوضِعُ المُنْخَفِضُ مِنَ الأَرْضِ.
وَ (قَنَاةُ): اسْمُ وَادٍ فِي المَدِينَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>